حصلت على بكالوريوس العلوم وهى فى سن الرابعة والعشرين، وتعلمت الألمانية والفرنسية واللاتينية واليونانية، ثم تعلمت الخياطة والتطريز والسباحة والغوص، وحصلت على الدكتوراه فى العلوم والدكتوراه فى الفلسفة، وألفت العديد من الكتب، ومن أشهر أقوالها: (عندما يغلق باب للسعادة يفتح باب آخر، لكننا دوما ننظر إلى الأبواب المغلقة بحيث لا نرى الأبواب التى فتحت لنا)!
هذه السيدة هى الدكتورة هيلين كيلر (1880ــ 1968 )، كانت عمياء وصماء وبكماء، أى لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم! وقضت ما يقارب السبع سنوات تعلمها مدرستها قراءة حركات الشفاه حتى تكلمت! وبرغم عجز حواسها منذ طفولتها المبكرة؛ فقد استطاعت بعزيمتها الجبارة أن تقهر العجز وتحقق لنفسها ولبلدها ما لم يستطع تحقيق عشره المبصرون المتكلمون السامعون.
من منا لم يستمع لعبقرى الموسيقى الكلاسيكية بيتهوفن وقد لحن أجمل وأبدع ألحانه وهو أصم لا يسمع.
من منا لم تبهره كتابات عميد الأدب العربى الراحل الدكتور طه حسين، الذى فقد بصره فى طفولته وبرغم ذلك تحدى إعاقته وصعد
سلم التعليم الجامعى حتى صار رئيسا لجامعة القاهرة ثم وزيرا للتعليم.
هؤلاء وكثير غيرهم أثبتوا للعالم أن من ابتلاه الله بحرمانه من بعض حواسه أو قدراته البدنية، وهبه من ناحية أخرى إرادة جبارة قهرت ذلك الحرمان، وأعطوا مجتمعاتهم كل ما استطاعوا عطاءه، وأتقنوا أعمالهم وأجادوها إلى درجة أن أصبحوا أسوة للناس وقدوة لمن لم يحرم من بعض الحواس مثلهم، ولا يقتصر تميز المعوقين على مجالات الأدب والفن والغناء، وإنما أثبتوا أنفسهم فى معظم مجالات الحياة، فى الرياضة والتعليم واللغات والترجمة والكتابة الصحفية، والأعمال اليدوية كالتطريز وصناعات الملابس، وهم يؤدون أعمالهم التى أنيطت بهم على أكمل وجه كما لو كانوا غير ذوى إعاقات بدنية.
والمتأمل لأحوال من تقدم من دول العالم يجد أن حكومات تلك الدول قد اهتمت بذوى الاحتياجات الخاصة مهما كانت إعاقتهم؛ بدنية أو ذهنية كاملة أو غير كاملة، فافتتحت لهم دور الرعاية ومراكز التأهيل، وفتحت لهم باب العمل الذى يقدرون عليه على مصراعيه، واتخذت تلك الدول كافة الإجراءات التى تضمن سلامتهم وتيسر لهم حياتهم، فخصصت لهم منازل ومطالع على الأرصفة، وبنت لهم دورات مياه خاصة، وأنشأت لهم المكتبات التى تبيع للمكفوفين منهم الكتب المطبوعة بطريقة برايل، وفى القنوات التليفزيونية تجد فى ركن الشاشة من يترجم للصم والبكم منهم نشرات الأخبار أو ما يهتمون به من أحاديث وبرامج، ويبدو أن حكومات تلك الدول قد وعت مفهوم آيات القرآن وطبقتها فى ذات الوقت الذى لم نعها نحن فيه، قال تعالى: (فَإِنَّها لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ 46 ـ الحج.
وهذه الفئة الكبيرة نسبيا فى مجتمعاتنا أهملت إهمالا شبه تام عبر العقود الماضية، صحيح أن الدولة أولتهم بعض الاهتمام من قبيل تعيين نسبة من موظفى الحكومة منهم فى وظائفها، وصرحت لبعضهم بشراء سيارات خاصة للمعاقين دون دفع جمارك، ولكن هذا الاهتمام كان فى معظم الأحيان على الورق، ورسخ الإهمال جذوره فى التعامل مع هذه الفئة المظلومة فى المجتمع المصرى، ومما لاشك فيه أن اهتمام الدولة فى المرحلة القادمة بقضايا ذوى الاحتياجات الخاصة سيؤتى بعد حين ثماره المرجوة، فإخوتنا وأخواتنا هؤلاء سيعملون كل شىء وسيبذلون كل ما فى وسعهم لإثبات وجودهم، وترسيخ قيمة العمل فى مجتمعهم، وسيتميز كل فى مجاله كنوع من إثبات الذات، ولسان حالهم سيقول للمجتمع كله: لماذا تعاملتم معنا بهذه القسوة؟
ما ذنبنا الذى جنيناه كى يرد على رغبتنا فى العمل بالإهمال؟
هل أخطأنا إذ أحببنا بلادنا كما أحببتموها؟ هل تجاوزنا إن حاولنا إثبات أننا غير ناقصى الأهلية؟ لقد أخطأتم فى حقنا كثيرا وآن الأوان لكى تردوا لنا اعتبارنا كى نشارك معا يدا بيد وكتفا بكتف؛ فى بناء مستقبل مصرنا العزيزة، وتذكروا دائما قول أختنا فى الإعاقة الدكتورة العظيمة هيلين كيلر الذى وجهته إلى ضمير العالم فى إحدى محاضراتها:
(إن العمى ليس بشىء وإن الصمم ليس بشىء فكلنا فى حقيقة الأمر عمى وصم عن الجلائل الخالدة فى هذا الكون العظيم، يجب أن نكون منشرحى الصدر دائما ولا نفكر فى إخفاقات اليوم ولكن يجب أن نهتم بالنجاحات التى ربما تأتى فى الغد القريب).
نتمنى أن تكون ثورة 25 يناير المباركة ثورة على طريقة التعامل المجحف مع ذوى الاحتياجات الخاصة إلى طريقة متحضرة راقية يتبناها المجتمع كله وبذلك نكسب رافدا هاما من روافد التقدم والازدهار لمصر المستقبل، والله من وراء القصد.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة