أثبتت الثورة أن الإسلاميين ليسوا لوحدهم فى المناخ المصرى، وأن هناك جيلاً جديدًا على الأرض والواقع نشأ فى فضاء إليكترونى واسع بغض النظر عن اقتناعنا أن الإسلاميين شكلوا حائطا قويا ضد فشل الثورة فى أيامها الأخيرة وبالذات يوم واقعة الجمل الشهيرة.
وإذا نظرنا إلى نهايات ثورة 25 يناير سنجد أن عدم ظهور الإسلاميين كمحرك أساسى وبقوة فى صورة الثورة، جعلت العديد من النخب والقوى السياسية تتعاطف وتدعم المطالب الشعبية حيث لم تشكل تلك الثورة أى خطر على هوية الدولة أو تؤشر بتغير شكل النظام السياسى أو تفرض نظاما بديلا.
لقد هال الغرب صلوات المتظاهرين يوم الجمعة وأخذوا يتساءلون هل الإسلاميون هم الذين يقفون وراء الثورة؟ ولم يعرف الغربيون أن الشعب المصرى كله متدين وغالبيته يصلى.
وأدى غياب الإسلاميين إلى دعم قوى من القوى السياسية المؤثرة بالداخل وإلى تعاطف غربى بالخارج، تجلى فى رفض الجيش المشاركة فى كبح عنان الجماهير، أو أن يصوب نيرانه إلى أجساد المحتجين فى محاولة لإنقاذ النظام وإخماد الاحتجاجات.
وكانت أهم مطالب الثورة تلك المتعلقة بالحريات وهذا من شأنه أن يغلق ملف الإسلاميين ويوقف ملاحقتهم ويسمح لهم بالنشاط الدعوى الحر، وهذا هو أهم المكاسب التى سيجنيها الإسلاميون والتى من المفترض أن يحافظوا عليها.
وأنا على المستوى الشخصى كنت أتوقع أن يعطى الإسلاميون للغرب وأمريكا تحديدًا تطمينات بشأن مثل هذه الأمور وبشأن أنهم لن يسيطروا على المشهد بقوة بعد ذلك وتصبح مصر دولة إسلامية، على الأقل فى الوقت القريب، وكنت أتوقع أن يقوم الإسلاميون على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم، بإرسال رسالة مفادها أننا سنقبل الآخرين وسنقبل بنتائج هذه الثورة مهما كانت، وأننا سنقبل بقواعد اللعبة الديمقراطية مهما كانت نتائجها، ولكننى والآخرين لم نر ذلك بل وجدنا أن الأمور أصبحت مختلفة، وأصبح هناك أناس يتحركون، ويتغيرون، بل ويخططون، ويقفزون.
هذا ما لاحظته فى جمعة النصر وما لاحظته بعد ذلك بأيام قلائل، حين أعلنت جماعة الإخوان أنها بصدد الإعلان عن حزب باسم الحرية والعدالة، وكانت أزكى الجماعات حين أعلنت أن حزبها مفتوح لكل المصريين.
وبات الإخوان يجرون وراء مطالب الشارع الذى يحدد حاليا الأجندات، وباتوا يسعون جاهدين خلال الأيام الماضية للتجانس مع خطاب الثورة وأولوياتها، وبعد نجاحها نجاحا كاملاً وإشراقها بات الإخوان يصرحون أنهم لن يرشحوا أحداً لرئاسة الجمهورية!!
وبنظرة إلى الجماعة الإسلامية فسنرى بيانً على موقعها أيام الثورة بعنوان "ارحموا عزيز قوم" ولم يشأ كاتبه ناجح إبراهيم أن يكمل الجملة وهو يشير إلى حسنى مبارك، ولكن انقلب موقفها تمامًا بعد نجاح الثورة فعادت لشجاعتها القديمة وهنأت الشعب المصرى على نجاح ثورته، ونعت شهداء الثورة المجيدة، ورسمت الفلاشات على صفحة موقعها الرئيسية مهنأة المصريين بالثورة، وكتبت وأفاضت وخرجت عن صمتها وعزلتها لأنها تريد على استحياء استعادة هياكلها وتنظيم قواعدها من جديد ثم هجمت على مساجدها وأقامت مؤتمرين أحدهما فى المنيا والاخر فى أسيوط وذبحت عجلاً ابتهاجاً بنجاح الثورة ثم أعلنت فى النهاية عن حزب إسلامى لها، وخرج بعض أتباعها عليها ليعلنوا تشكيل حزب مستقل آخر.
وعلى ناحية قريبة من الجماعة الإسلامية سنجد بعض المستقلين والذين كانوا منها فى يوم من الأيام، يعلنون عن حزب النهضة، وحزب آخر للمحامى ممدوح إسماعيل، وأحزاب أخرى تحت التأسيس، وحزب الوسط المسموح له قانونيًا وأكثر هؤلاء نضجًا.
وفى نفس السياق سنجد السلفيين انفجروا كذلك ولكنهم من زاوية أخرى، لأنهم يحرمون العمل الحزبى، فهم أخذوا يقلبون الأمور، ويبحثون عن قنواتهم التى ضاعت، وقبل أن يفعلوا ذلك ذهب نفس المشايخ الذين كانوا يتحدثون عن الفتنة إلى الحديث عن الشباب وفضل الشباب، ووقف أحدهم فى ميدان التحرير بلافتة كبيرة فى يوم الحسم والرحيل داعيا المحتفلين بالثورة بتذكر الشريعة الإسلامية وحكم الإسلام!!
وبعد أن رحل مبارك تماماً ظهرت شجاعتهم بشكل كبير ودون وعى سياسى واضح فى البيان الذى أصدرته الدعوة السلفية بالإسكندرية "هل تريد أن تفقد مصر هويتها الإسلامية؟ كــن إيجابيا وشارك معنا" ونظمت عددا من المؤتمرات الحاشدة فى محافظات مصر ضمن حملة "الدفاع عن هوية مصر" بدأوها بمؤتمر حاشد فى الإسكندرية (8 فبراير) حضره ما يقرب من 100 ألف شخص إلى جانب عدد لافت من الشيوخ والدعاة الإسلاميين، دعوا خلاله إلى تفعيل المادة الثانية من الدستور وذلك بـمراجعة كافَّة التشريعات المخالفة للشريعة. وقالوا: "إن الأُمَّةَ لم تَخترْ هذه المادةَ لتَبقى حَبيسةَ الأوراقِ لـمُدَّةِ أكثر مِن ثلاثين سنة!"، كما دعوا إلى إطلاق حملة لجمع توقيعات مليونية للتأكيد على عدم المساس بها، رغم أن أحدًا لم يتحدث عن تغيير هذه المادة، ورغم أن هذه المادة غير موجودة فى تركيا ويحكم الإسلاميون، وموجودة عندنا ولا تحكم الأحزاب الإسلامية.
انفجرت يا سادة إذن الأحزاب الإسلامية، وأصبح كل واحد يريد تحقيق أجندته الخاصة دون حساب أو وعى على الأقل بما ستشهده الأيام المقبلة، ودون أن نعرف قانون الأحزاب الجديد وشروطه، ودون نظر للظرف الحالى الذى تمر به مصر، رغم أن معرفة حجم هذه الحرية ومدى المشاركة وقوتها وتلك القوانين التى ستسن فى الآونة القريبة ستجعلهم يدركون كيف يصبحون فاعلين، وكيف يقدمون المشروع الأفضل القابل للتطبيق فى المجتمع، وهذا ظنى على الأقل حاليًا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة