طه سيف الله

الشـر وسنينه

الجمعة، 11 مارس 2011 07:44 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كانت الأجواء قاتمةً رغم طلوع فجر الثورة، والفتن تطل بوجهها القديم لتعيد القبح إلى حدائق الوطن حاملةً المصرى على إراقة دم المصرى فى قارعة الطريق. وكان صديقى المتخصص بعلم الحشرات يحاول أن يهدئ سورة نفسى ويثنينى عن رأيى بأن الشرَ أصيل فى النفس البشرية، وأن الطفلَ، ذكراً أو أنثى، يولد ملوثاً بالفساد من رحم أمه، وأن جيوشَ الظلام سوف تفلح قريباً فى ابتلاع الشمس والقمر والنجوم.

وإزاء تفاؤله المُستَفِز ذكرته بالمشهد الدموى الذى رأيناه معاً فى اليوم السابق لمصريين يقتلون مصريين، وبشرٍ يحرقون دورَ العبادة لبشر، وبنى آدميين يعتدون على سياراتِ وبيوت وأموال بنى آدميين، وذلك لمجرد أنهم يعلمون جميعاً أن الشرطة غائبة عن الشارع. قلت بأسى أن السلامَ والخيرَ اللذين لا يسودان إلا برجل الشرطة هما سلام وهمى وخير مزيف لا وجود لهما فى النفس البشرية أصلاً.

ورد صاحبى بأن رجل الشرطة عندما ينزل للشارع ليحفظَ الأمن فهو ينفذ القانون الذى هو حل عظيم لضبط حركة الحياة وتعمير الأرض، ولكنه حل من اختراع الإنسان. وأوضح أن النزوعَ إلى القانون والعدالة هو احتياج إنسانى ورغبة إنسانية فى المقام الأول، ولكن المشكلة تكمن فى تغييب ذلك البلسم المسمى بالقانون من وقت لآخر. غير أن الإنسان بطبعه يميل دائماً إلى العمل مجدداً على إعادة سطوة القانون كلما حاولت شريعةُ الغاب أن تفرضَ وجودها وتسمم حياةَ البشر والأشجار والطيور.

فقلت غاضباً إن شريعة الغابة هذه تؤكد صحةَ رؤيتى فى رجال الشرطة الذين تتحدث عنهم وكيف كان بعضهم يديرون جهازاً يعذب الناس، وينتهك أعراضهم ويلفق لهم التهم مدمراً فى الإنسان حريته وشرفه وإنسانيته. ومزهواً بقوة حجتى تساءلت كيف يستطيع ضابط أن يعتدى جنسياً على متهم، إلا إذا كان السقوط جزءاً لا يتجزأ من تركيبة النفس البشرية.

وقاطعنى غاضباً بأننى لو تأملت قليلاً لاكتشفت أن فى أعماق الضابطِ المنحرف رغبةً خفية فى حماية النظام، لكى يضمن له هذا النظام ألا يقوم احد، ذات يوم، بالاعتداء عليه هو.
وأضاف أن الضابط يؤمن بأنه ما لم يقم بهذه الجريمة فسوف يرتكبها الآخرون بحقه أو بحق أهله. وأكد أن الضابط يحركه الخوف وأنه يحمى نفسه فى المقام الأول وأنه اختار أن يكون جلاداً بدلاً من أين يصبح ضحية. وأوضح أن الحل هو أن يشعر الضابط بالأمن على نفسه، وبالثقة فى أن هناك نظاماً يضمن ألا يعتدى هو على المتهم، أو يعتدى عليه المتهم، أو يعتدى أحد على أحد. وخلاصة هذا المنطق المفكك أن صديقى، عالمَ الحشرات، يرى الضابط ضحية، والمتهم ضحية، بينما الجريمة فى رأيه هى فساد النظام لا فساد الإنسان!!!

ولم أجد فى وسعى تجاه هذا التفسير العبثى إلا أن أبتعد عن حديث السياسة وأصرخ فيه سائلاً رأيه حول سيدةٍ رائعة الجمال شاهدتها بنفسى تملأ جدران بيتها بلوحات زيتية أصرت على أن يقوم فنان برسمها لها وهى ترتدى مجوهراتٍ كثيرة وثمينة آملةً أنها إن ماتت ذات يوماً كالبشر ثم اقترن زوجها بأخرى كعادة الرجال فسوف تموت غريمتها حسداً لها على مجوهراتها وغضباً من الزوج الكذوب الذى يؤكد أنه ليس هناك مجوهرات ولا يحزنون وكراهيةً فى زمن لم يمنحها مثل ما أعطى ضرتها الراحلة. وسألت صديقى عن منبت كل ذلك الشر فى سيدة تريد أن تكيد لزوجها ولضرتها القادمة حتى بعد موتها.

ومبتسماً قال صديقى إننى لا أفهم النساء، مؤكداً أن هذه هى طريقتها فى الاعتراض على أن يحبَ زوجُها امرأةً أخرى بعد وفاتها. أى امرأة. وضحك قائلاً: هذه المرأة تعشق زوجها وتغار عليه حتى بعد الموت. ليس هذا شراً يا صديقى. إنه الحب. ولم أقتنع!!!







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة