فى هذا الوطن للاحتفالات الجنائزية طعم آخر غير الذى قد تجده فى مختلف بلدان العالم، أهل هذا الوطن يتفانون فى إعلاء ذكرى الموتى، يوم موته يحملونه إلى القبر ولا يرحلون إلا بعد أن يستقر، وفى المساء يتذكرون محاسنه على خلفية آيات من الذكر الحكيم، ثم يأتى اليوم الثالث للوفاة فيعودون مرة أخرى للقبر، ثم يأتى أول خميس فيكررون الزيارة، ثم تمر الأيام فى ذيل بعضها حتى تتخيل أنهم قد نسوه أو غفلوا عنه، ولكنهم يفاجئونك بدموع أخرى وزيارة أخرى للقبر فى اليوم الأربعين، ومن بعدها يواصلون الاحتفال سنويا بذكراه دون ملل أو كلل.
الأهل وأعضاء أسرة الميت يفعلون ذلك عن رضا وطيب خاطر، والجماهير تفعل ذلك بفخر وفرحة وشغف ولهفة مع الشهداء.. ومع شهداء 25 يناير كان الفخر من طعم مختلف ربما لأن الثورة كلها كانت مختلفة، أو ربما لأن الشجعان الذين نالوا الشهادة سالت دماؤهم على أسفلت التحرير أو السويس أو الفيوم أو المنصورة أمام أعين الناس وليس داخل الصحارى كما يحدث فى حالات الحرب.
هذه الثورة لم يصنعها أهل السياسة والمعارضة، ولم تصنعها تصريحات البرادعى على تويتر كما يتخيل هو، بل صنعتها دماء الشهداء الذين سالت دماؤهم لتستحلف كل مصرى بألا يترك ميدان التحرير أو شوارع السويس والإسكندرية إلا بعد رحيل مبارك وضمان مستقبل العدالة والحرية لأهله ولأبنائه الصغار.
مصر المختلفة والمتناقضة والتى تتعارك تياراتها فى كل لحظة وعلى كل شعار وحول كل هتاف اجتمعت دموعها وآلامها وتوحدت ألسنتها حول هتاف«ياشهيد نام وارتاح شعبك بيكمل الكفاح«، هم إذن وقود تلك الثورة التى احتار المحللون فى البحث عن داعمها ومحرضها، هؤلاء الذين لم ترهبهم الرصاصات الحية أو ضربات البلطجية القاتلة ولم يتراجعوا خوفا على طفل أو أم أو زوجة أو طمعا فى دنيا قادمة قد تبدو وردية هم أصحاب وصناع الثورة الحقيقية وكل من يخبرك بغير ذلك أدر عنه وجهك واعترض.
وبناء على ما سبق يصبح كل مواطن فى مصر مدينا بزيارة وواجب عزاء لأمهات وأهالى الشهداء، اذهبوا إلى كل بيت وقدموا واجب العزاء وأشعلوا ذكرى شهداء الثورة فى أربعينهم، أطرقوا أبواب بيوتهم وقولوا لكل أم وكل أب وكل طفل أو طفلة إن دماء شهيدهم لم تذهب هدرا بل جاءت بحرية وكرامة لوطن فقد كرامته طوال 30 سنة، انحنوا على أيادى أمهات الشهداء وقبلوها وأخبروهن أنكم بديل لأبنائهن الذين راحوا فداء وطن بأكمله، أخبروهن بأن شهداءهن أحياء عند الله يرزقون، وأحياء فى قلوب الوطن خالدون مكرمون، قولوا لكل أم فقدت ابنها شهيدا إنكم أبناؤها، وقولوا لكل طفل فقد أباه شهيدا إنكم مكانه ستلبون نداءه عند الحاجة لأن فى رقبتكم دينا لا يقدر بمال ولا بخدمات.. اسمه الكرامة.
لا تدعوا أمهات الشهداء يبكين ويتألمن فى ذكرى الأربعين بمفردهن شاركوهن قدر استطاعتكم، وتبنوا دعوة تحويل عيد الأم القادم إلى عيد لأمهات الشهداء، اجعلوا من 21 مارس القادم عيدا لهن واجعلوا من الحفاظ على مكتسبات تلك الثورة وتخليد شهدائها هدية لهن ووعدا لا يمكن خيانته.
موضوعات متعلقة::
ــــــــــــــــــــــــــــــ
◄قصيدة محمود درويش : أجمل الأمهات
◄أم الشهيد محمد راشد: يوم تنحى «مبارك» شفت «محمد» فى المنام وقال لى: افرحى يا أمى الكابوس انزاح
◄أم الشهيد حجازى فوزى: كنوز الدنيا لا تساوى نقطة دم من ابنى
◄أم الشهيد ياسر كمال: ابنى خرج يهتف ضد الظلم وساب بنتين ومرجعش
◄أم الشهيد محمد عاطف: محمد الوحيد الذى كان يتذكرنى فى عيد الأم
◄أم الشهيد شهاب حسن: ابنى ذهب لإنقاذ المتحف المصرى فاختاره الله إلى جواره
◄أم الشهيد أشرف نور الدين: خرج فى جمعة الغضب وحين حذرته قال: متخافيش لو مت هاموت شهيد
◄أم الشهيد حسن زهران: ابنى رفض توسلات زوجته الحامل
◄أم الشهيد عماد بكرى: عماد ترك أولاده وزوجته الحامل وخرج يحارب الظلم
◄أم الشهيد طارق عامر: قناصة الأمن المركزى قتلوه لأنه كان يصور المظاهرات بالموبايل
◄أم الشهيد جرجس صابر: ابنى قال: «هو حد يطول يبقى شهيد؟!»
شهداء الثورة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة