فصل من كتاب "الأيام الأولى" لأحمد زغلول الشيطى

الخميس، 10 مارس 2011 03:13 م
فصل من كتاب "الأيام الأولى" لأحمد زغلول الشيطى كتاب "الأيام الأولى" لأحمد زغلول الشيطى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
25 يناير : 1 فبراير

لم أكتب، عن هذه الفترة أى يوميات، أنا أصلًا لا أكتب يوميات، فكتابة اليوميات تتضمن التعامل مع مادة ملتهبة فى طور التشكل، وأنا أفضل الانتظار، لظنى أن الانتظار مدعاة لصفاء المادة من الشوائب، وللمزيد من التأنى والفهم، غير أننى نادم على عدم كتابة ولو ملاحظات للتذكير عن هذه الأيام الأولى، والأحداث غير قابلة لأن تعاد بكامل عنفوانها لأتمكن من اقتناص لحظات تخصني، بعينى لا بعين كاميرا فيديو أو حتى برواية شهود عيان، المادة هاربة، هى من النوع الذى قد تمضى حياة كاملة دون أن يتكرر، كان يمكننى مشاهدة الثورة من البلكونة فبيتى فى شارع قصر النيل، يطل على قطاع لا بأس به من ميدان التحرير، والمسافة من بيتى إلى الميدان هى بالتقريب على بعد مائة خطوة غربًا، وهى المسافة التى قطعتها ذهابًا وإيابًا معظم أيام الثورة الثمانية عشر، مجتازًا المتاريس والبوابات الأمنية والتفتيش الذاتى عن الأسلحة، و يقع ميدان طلعت حرب – المقر الثانى للثورة – على بعد مائة خطوة أخرى شرقًا. كانت الثورة على مرمى بصري، وكانت قنابل الغاز حين تنفجر فى وجوه المتظاهرين، يملأ الغاز فضاء شقتي، وأدمع وأختنق به رغم أنى بطبيعة الحال بعيدًا عن المظاهرة، توقعت أن يكتسب الأمن المركزى العداوة المستحكمة لربات البيوت مستنشقات الغاز جبرًا داخل مطابخهن، فآلته التى تعمل عند احتدام الأحداث تعمل بقانونها أيضًا، تتقدم أو تتأخر خطوة أو خطوات عن رغبة مديرى الآلة، التى لا تفرق ما بين مَن هم فى الشارع ومَن هم فى البيت، مَن هم أعداء ومَن هم على الحياد، وقد بدأ تطويق الشوارع بوسط البلد بقوات إضافية من الأمن، وبحواجز حديدية إضافية منذ صباح الثلاثاء 25 يناير، وعند الساعة الثانية ظهرًا كانت حركة السيارات قد مُنعت تمامًا من الشوارع المؤدية إلى ميدان التحرير، أُغلق شارع قصر النيل بحواجز حديدية ما بين جروبى والخطوط الجوية الفرنسية، وأُغلق شارع طلعت حرب بحواجز حديدية عند إشارة المرور المؤدية للميدان للقادم من التحرير، وقد رأيت مظاهرة قوامها حوالى ثلاثة آلاف متظاهر قادمة من شارع هدى شعراوى قاصدة ميدان طلعت حرب، اصطدمت بالحواجز على فوهة ميدان طلعت حرب فاضطرت إلى السير فى الاتجاه العكسى نحو ميدان التحرير، فوجئت بمسارعة قوات الأمن المركزى بإغلاق الشارع بحواجز حديدية وصف من الجنود عند تقاطع شارع طلعت حرب مع شارع البستان، وبذلك تم محاصرة المظاهرة التى لم يبق أمامها سوى التفرق أو السير فى شارع هدى شعراوى الذى يفضى إلى شوارع بعيدة عن ميدان التحرير. كانت المظاهرة تردد شعاراتها الرئيسية التى رددتها بعد ذلك كثيرًا "يسقط يسقط حسنى مبارك"، "الشعب يريد إسقاط النظام"، "سلميه... سلمية"، "علّى وعلى وعلّى الصوت اللى هيهتف مش هيموت".. كانت هذه المظاهرة الصغيرة القادمة من هدى شعراوى الساعة الثانية ظهر يوم 25 يناير هى بداية الثورة كما رأيتها، وقد ساءنى يومها أن عمارة الخطوط الجوية الفرنسية كانت خاضعة لعملية ترميم بمعرفة شركة المقاولين العرب، ورأيت بعض عمال الترميم يقفون فى مدخل شارع بار استوريل من ناحية طلعت حرب، يقومون بطلاء قطع حديدية بالبوية دون التفات لشباب المظاهرة، يومها ذهبت إلى دار نشر ميريت وقلت لموظفى الدار إذا التفت العمال إلى المظاهرة ساعتها ستكون المظاهرة مقنعة.

لقد أحالتنى أحداث الأيام الأولى إلى حلم قديم كان يواتينى كثيرًا لسبب غير مفهوم فى مراهقتي، فقد كنت أحلم أننى نائم فى بيتنا بشارع البندر بمدينة دمياط، فى الحجرة الكبيرة المطلة على الشارع، تحديدًا على سرير أمي، بينما تدور معركة بآليات عسكرية وطائرات وقنابل، حين أستيقظ لا أرى غير معارك قسم الشرطة الذى يلاصق جداره جدار بيتنا، أرى عربات الأمن المركزى وهى تنزل المساجين العائدين من المحكمة أو تنزل المقبوض عليهم من الشوارع فى الحملات الدورية فيما تهرول نساؤهم وأقاربهم وراءهم لرؤيتهم وتبادل كلمات ورسائل سريعة معهم فيما يصعدون سلالم القسم، أستيقظ ليلا على صوت التعذيب بالتعليق أعلى الباب، أو بصعق الخصيتين بالكهرباء، أو بغمر الرأس فى بالوعة المجارى، أو أستيقظ فجرًا على صوت هياج شديد، أنظر من النافذة، أرى ضابط المباحث يسير فى مقدمة تظاهرة كبيرة من أهل مدينة دمياط فيما يسير أمامه خمسة شبان عراة مقيدى الأيدى من الخلف، ويطوقهم مخبرو القسم، يتناهى إلى أن هؤلاء الشبان هم من اغتصبوا بائعة الفجل فى سوق الجمعة، وتناوبوا عليها، وأن رئيس المباحث أصر على أن يقتادهم عراة فى جميع شوارع دمياط.

كان شباب المظاهرة فى اليوم الأول يصلون إلى حافة الحواجز الحديدية ولا يلمسونها، ويهتفون أمام صف الجنود أمام الحاجز "سلمية... سلمية"، استطاع الشباب دخول الميدان لأول مرة حوالى الساعة الرابعة مساء بعد عمليات كر وفر وإنهاك للأمن المركزى الذى لم يبدر منه أى هجوم، مكتفيًا بقطع الشوارع المؤدية للميدان بحواجز حديدية وصفوف من الجنود، وكانوا يتحركون بحواجزهم تبعًا لحركة جموع المتظاهرين، من اللحظة الأولى فى الميدان أعلن المتظاهرون أنهم سيبيتون ليلتهم فى الميدان، كنت أسمع البعض ينتقدون الشباب ويقولون كيف يختارون يوم إجازة هو إجازة عيد الشرطة موعدًا لمظاهرتهم، وأنهم بذلك فقدوا دعم الموظفين أثناء خروجهم من مقار أعمالهم. هاجمتنى آلام القولون فى نحو الساعة الخامسة كانت أعداد المتظاهرين تتزايد قادمة من مداخل الميدان المختلفة ولا أثر قريب للأمن، سرتُ مندهشًا من هؤلاء الذين دخلوا إلى الميدان، دخلت شارع البستان لأذهب إلى بيتى فى شارع قصر النيل عبر الجراج المفتوح على الشارعين، قابلت عند باب الجراج ثلاثة من قدامى المناضلين، كان رأيهم أن هؤلاء الشباب مجانين وأنه ليمكنهم المبيت فى الميدان لابد من تدبير أمر الإعاشة والمناوبات، سلمتُ وانصرفت، فقد كانت آلام القولون تتزايد، كنت أعرف أن علاجى هو النوم بعد الغذاء، وتناول العلاج لأنعم بالراحة البيتية ثم أعود مرة أخرى لرؤية إلى أين سيفضى الأمر، وهل سيستمر الأمن فى عدم التعرض للمتظاهرين.

فتحتُ علبة تونة وحضرت طبق سلطة وسخنت الخبز وأدرت محطة الموسيقى العالمية وجلست فى الليفنج على الأرض أتغذى، كنت أعرف أنه كان ينبغى أن أحضر طبق شربة دافئ، ولكنه كسلى المعتاد... بعد أن أخذت العلاج ذهبت إلى السرير أغمضتُ عيني، صنعت كل الحيل ليأتى النوم دون جدوى، جربت الدخول إلى الحمام، كان الوضع ميئوسًا منه، كنت أفكر فى هؤلاء الأولاد وكونهم لا يعبأون بأى حسابات، وأتذكر قصتى القصيرة "حصان" فى مجموعة "عرائس من ورق"، وكيف أنه انطلق غير عابئ بالحواجز والقيود قابلا قدره أيًا كان، لأن كينونته تكمن فى هذا الانطلاق وحده، حوالى الساعة 12 عند منتصف الليل سمعت صوت إطلاق قنابل وصوت إطلاق رصاص، لم أصدق فى بادئ الأمر، ظننت أن هذا غير حقيقي، كانت الأصوات تتوالى، جريت نحو البلكونة صدمتنى رائحة الغاز بغزارة وسالت دموعى فجأة، تراجعت إلى الداخل لففت رأسى بفوطة وعدتُ، كان الشباب يأتون جريًا من ناحية ميدان التحرير وهم يحملون مصابًا ويصرخون فى التليفون المحمول بحثًا عن نجده، والتليفونات لا تجيب بسبب التشويش عليها.

صباح اليوم التالى كتبت النص الذى صدّرت به هذا الكتاب ونشرته على الفيس بوك، قلت إنهم ثوار ثورة غير قابلة للتأسيس، وبالتالى فهى غير قادرة على التكلس والسقوط فى الرتابة

شيئًا فشيئا خلال الأيام الأولى تغير وجه الحياة فى الميدان، هذه العطلة السعيدة جعلتنى أكتب نصًا إنشائيًا فرحًا ومبشرًا أسميته (سجل مدنى ميدان التحرير)، غلبنى انفعال المحب الواقع فى الأسر، أخيرًا رأيت أعقد وأغرب أحلامى وأكثرها سرية مجسدًا أمامى كشط الزمن المترهل، القطيعة مع الرطرطة، لقد هربت من الانفعال بإلغاء صوتى الشخصى وهو ما نجحت فى استعادته فى اليوم الثانى من فبراير، رحت أقول وأخبر الناس أن الآن فى ميدان التحرير، يمكنك استخراج شهادة وفاة، أو شهادة ميلاد، أو بطاقة شخصية، أو تغير محل إقامة أو تغير مهنة فى أقل من ثانية، دون حاجة لأوراق، أو أجهزة كومبيوتر، أو طوابير انتظار، أو تقديم إيصال كهرباء، أو شهادة من اثنين من الموظفين الرسميين، ودون ضامن، أو شهادات فقدْ، أو محاضر فى أقسام الشرطة، ودون سداد أى رسوم، ودون استخراج أى بيانات من دار المحفوظات، ودون أية صور فوتوغرافية. وكتبت أن الشرط الوحيد المطلوب هو أن تتواجد فى ميدان التحرير بنفسك إن كنت قادرًا، أو تتواجد بقلبك، أو بعقلك إن كنت غير قادر، ففى الميدان فى هذه اللحظة بالذات يقوم رواد الميدان اللذين وفدوا إليه يوم 25 يناير2011 بإنشاء وتشغيل أكبر مكتب سجل مدنى فى مصر، هو سجل مدنى ميدان التحرير، القائمون عليه أنت بالتأكيد تعرفهم، هؤلاء شباب فى العشرينيات، خريجو جامعات ومدارس ومعاهد متوسطة، وأنهم يرغبون فى تحرير شهادة وفاة للسلطة الشائخة، وتحرير شهادة ميلاد للجميع، حتى لمن يختلفون معهم، هنا والآن، وقلت إنى رأيت شهادات ميلاد لسيد درويش وعلى عبد الرازق وطه حسين... الخ، وشهادات وفاة لمن يريدون تثبيت اللحظة ولمن يكرسون للخوف والإرهاب. وهكذا ذاب صوتى الشخصى ولم أقتنص لحظة واحدة من الثورة، نشرت هذا النص على صفحتى فى الفيس بوك يوم 3 فبراير رغم أنى كتبت النص يوم 31 يناير، كان على السيطرة على انفعالى لأستطيع رؤية هذا الشيء الذى ولد أسفل البلكونة، لأستطيع أن أرى تفاصيله، تحولاته، ترددات روحه، غير أنى كنت فردًا بعينين فقط، وبقدرات محدودة فى النهاية، ولا يمكننى الإحاطة بهذا الشيء وحدى، وأن على الجميع أن يحكى حكايته ليمكن مقاربة ما حدث. بدءًا من 2 فبراير بدأت اليوميات لكن هذا لا يعنى أنى قلت كلّ ما شاهدتُ، فالذاكرة تخون، قلت ما استطعت حتى عن الأيام الأولى ضمن اليوميات... أذكر فى يوم 29 يناير كان أحمد اللباد قد صمم عدة لوحات بالأبيض والأسود للاستخدام فى مظاهرة التحرير، وجاء بها إلى دار ميريت للنشر، كانت كلها مثبتة على ورق مقوى، وتخطفها الأصدقاء، بقيت واحدة، تلك التى تحمل العلامة المرورية التى تعنى عدم إمكانية الرجوع إلى الخلف ومكتوب تحتها ذات العبارة ممنوع الرجوع إلى الخلف، على أن أقوى اللوحات كانت تلك التى تحمل صورة مبارك بنظرة جانبية حقود وباعوجاج للفم يعطى إيحاء بشراسة ديكتاتور طاعن فى السن ومكتوب عليها أن تاريخ انتهاء الصلاحية يوم 25 يناير وختم المغادرة وصورة طائرة وتاريخ يناير 2011، علّقنا جميعًا أن هذه معضلة، فما بقى من يناير يومان هما 30 و31، رحنا نتهكم حول الموعد وأن مبارك لازق فى الكرسي، وقال أحمد إنه سيعدل التاريخ، ولو أننا نريده بعد ستة أشهر ما فيش مانع، هاج الجميع ضاحكين "حرام عليك يا راجل"، كان على اللباد أن يحدد تاريخ رحيل مبارك عوضًا عن مبارك نفسه والثوار، وكانت اللوحة المرورية ممنوع الرجوع للخلف من نصيبي، أخذتها معى إلى البيت وأنا أنتوى الذهاب بها للمظاهرة فى اليوم التالي.

لم يكن حلمًا صحوت فعلًا فى بيتى بشارع قصر النيل على صوت آليات عسكرية وطائرات تحوم فى الجو، كانت الدبابات والمدرعات تعيد تمركزها فى محيط وسط البلد بالقاهرة الخديوية، وكانت الطائرات الهليوكوبتر تدور حول سماء ميدان التحرير دون توقف، إذن هى الحرب، تلك العطلة السعيدة، إجازة من رتابة الحياة اليومية، لقد بدت هذه الآليات العسكرية ديناصورات خيالية تتحرك بين رصيفى شارع قصر النيل الآخذ فى التحول إلى شارع شبيه بشوارع الحرب الأهلية اللبنانية، خاصة وطائرات إف 16 تحلق فى الميدان على مستوى منخفض ظهيرة يوم 31 يناير، كان هذا الجزء من شارع قصر النيل يتحول ليلا إلى شارع للسيارات الفارهة الأكثر حداثة وللنساء مرتديات الهوت جوب اللائى يكافحن للنزول من الهمر، والشيروكى ووالجا جور والمرسيدس دون أن يظهر "البانتي" الرفيع لمدة تزيد عن الثوانى من نزولهن إلى عبورهن إلى صالة الديسكو أو الريستوران، لقد أغلق الدسكو والريستوران وحتى نادى السيارات، وكنت أعيش هذه العطلة السعيدة التى أزاحت الحياة اليومية إلى أجل غير مسمى، فمنذ اللحظة الأولى "الشعب يريد إسقاط النظام"، وإسقاط نوعية الحياة اليومية التى تصيبنى بالملل، لقد تلاقيت مع الثورة منذ البدء، فقد استطاعوا تغيير المنظومة اليومية فى الميدان، وصنعوا قطيعة حقيقية تحت بصرى حين أطل من البلكونة.

كانت دار ميريت منذ بدء المظاهرة تتحول تدريجيًا إلى مقر للمثقفين والصحفيين والمناضلين، ومركزا يذهبون منه إلى الميدان ويعودون إليه، وكان التليفزيون مفتوحًا على الجزيرة والعربية وبى بى سى طوال الوقت، بدأت تتحدد حركتى ما بين شقتى فى الدور الثالث ودار ميريت للنشر التى نشرت لى كتابين، والميدان، وسوق باب اللوق، وبقالة ثروت بشارع الأنتكخانة، يوما 26 و27 يناير كنت كلما ذهبت إلى البقال أرى عربات الأمن المركزى مصطفة إلى جوار مبنى حزب التجمع، وفى مدخل شارع كريم الدولة، وسمعت أنهم فى أحيان كثيرة يقبضون على الناس عشوائيًا ويدخلونهم إلى العربة، كانت حركة السير طبيعية فى شارعى الأنتكخانة وشامبليون رغم مظاهرتى المحامين والصحفيين أمام نقابتيهما، كنا نتابع فى الجزيرة تغطيتها للمظاهرتين ونبأ القبض على عضو مجلس النقابة محمد عبد القدوس ونقله وزملائه إلى معسكر للأمن المركزى بمنطقة الجبل الأحمر خارج القاهرة، قررنا فى ميريت أن ننزل للمظاهرة حوالى الساعة الثامنة والنصف، اقترحت أن ننقسم إلى مجموعتين حتى لا يُقبض علينا. قال الآتون من شامبليون إنهم يقبضون على الناس وإن هناك بلطجية، انقسمنا قسمين، كان معى حمدى أبو جليل، قال إنه بدوى متخلف وإنه لو أخذ قلمًا من أى عسكرى أو ضابط فلن يمكنه تجاهل الأمر ولن يسكت على ذلك، وربما استأجر واحداً ليقتل من ضربه، كان يبين خوفه من القلم الافتراضي، ذهبنا إلى التكعيبة وجدناها مغلقة، سرنا من شارع ضيق على يسار التكعيبة يتعامد على أحد الشوارع المتفرعة من شامبليون، قال لى حمدى بلهجته التى تنتمى لبدو الفيوم والمشرّبة بقاهرية الأحياء الشعبية وبلكنة مثقفة "أنا ماشى معاك علشان أنت محامي"، ولم أكن أفضل حالًا منه، لأنى لو حظيت بالقلم الافتراضى فلن أبقى واقفًا على قدمى طويلا، رأينا أفرادًا من القوة السرية ينتظرون للقبض على القادمين من الممر، تراجعنا، شعرتُ أن هذه أول مرة يخرج فيها حمدى لمظاهرة، وكنت مثله تقريبًا، وكان ما يحدث غريبًا وغير معروف إلى ما سينتهي. كان حمدى إلى هذه اللحظة متشككًا وكنت أنا أشعر بالهول، فقد عشتُ طويلا إلى جوار قسم الشرطة فى دمياط ورأيت الآلهة التى تحترف التعذيب لأغراض مقدسة، تحيطهم القداسة والمهابة، ولا يمكن تخيل هذا الاجتراء الحاد عليهم، لقد سمعت الشتائم تنهال على السيد الرئيس والسيدة حرمه فى شارع طلعت حرب فى اليوم الأول دون أن تفيض أرواح من نطقوا بالشتائم، فهذا الذى يحتل الفضاء والأرض ويمتلك خاتم النسر الأصلى لم يُبدهم فى الحال.

قال حمدى إنه "مروّح" وعند شارع الأنتكخانة افترقنا، وأنا مندهش كيف سيمر حمدى أمام صف عربات الأمن المركزى المتمركز أمام حزب التجمع وحده، بيد أن براءة هدفه من السير، وهى أنه "مروّح" أعطته شجاعة إضافية، انقلبتُ إلى ممر (أفترإيت) عائدًا إلى البيت.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة