نمر جميعا كمصريين بفترة عصيبة الآن, تنتاب كل منا مشاعر كثيرة تتراوح بين الفخر والقلق والشك. الفخر لا شك بالثورة والقلق على أحوال بلدنا ونحن جميعا نرى انفلاتا أمنيا ونظاميا وفئويا وطائفيا، وهذا كله يأكل من ثمار ثورتنا مصدر فخارنا، ويعطل استرجاع مصر لتوازنها الاقتصادى ويجعله أكثر صعوبة. الشك يملأ صدورنا بما نراه من علامات متنامية للثورة المضادة. أصررنا على أن ثورتنا هدفها إسقاط النظام وواضح أمام أعيننا جميعا أن النظام لم يسقط كما أرادت الثورة.
ظنت الثورة أنها نجحت، ولكن تعريف النجاح يرتبط باستلامها للسلطة، وهو ما لم يحدث فهل ترضى جماهير الثورة بتوصيفها بمجرد انتفاضة شعب. ظنت الثورة أنها أسقطت دستور 71 المرقع، ولكنها تواجه إحياء له بترقيع جديد. هذا الدستورالذى خلق الفرعون الإله وأسس لحكم الفرد مازال موجوداً، ويهددنا بالباب الخامس الذى يؤمن سلطات مطلقة لرئيس الجمهورية. الشعب مدعو للاستفتاء على تعديلات جديدة لهذا الدستور المتهرئ والشعب يتساءل, أين الباب الخامس من هذه التعديلات؟ الشعب يتساءل لماذا لا يتم التوافق مع مقتضيات المرحلة الانتقالية بإعلان دستورى محدود نتقدم بعدة فورا لتكوين جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب لتقوم بوضع دستور جديد للبلاد يلبى طموحات الثورة.
إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة مطالب الآن بإشاعة جو من الطمأنينة والثقة لدى الثوار، وذلك بالعمل على نقل السلطة إلى مجلس رئاسى من المدنيين مع واحد من العسكريين ممثلا للمجلس الأعلى, ومطالب أيضا بالبدء فورا فى إعداد العدة لانتخاب الجمعية التأسيسية للدستور الجديد، بهذا يكون قد تجاوب مع آمال الثورة الأساسية.
بما تقدم يكون المسار أكثر تحديدا فى خطين كلاهما منفصل عن الآخر. سيبدأ المجلس الرئاسى فورا إعداد العدة لإجراء الانتخابات الرئاسية التى ستملأ المنصب الشاغر برئيس مدنى جديد منتخب من الشعب يبدأ عملة فى ظل الإعلان الدستورى الذى يحمى الديمقراطية والشفافية، وستستمر الجمعية التأسيسية التى انتخبها الشعب لوضع دستور جديد فى عملها بمعزل عن ولاية الرئيس الجديد لا سلطان له عليها، وستكون كلمة الشعب هى التى تعطى الشرعية للدستور الجديد فى النهاية.
إن دستورا جديدا أقره الشعب فى ظل رئيس جديد انتخبه هذا الشعب، وفترة انتقالية لا تقل عن سنة تطلق فيها الحريات السياسية بما فيها حرية تكوين الأحزاب بالإخطار، وحرية عملها وسط الجماهير لاكتساب شعبيتها لكفيل بتوفير الأرضية الوحيدة الصالحة لإجراء انتخابات برلمانية، وهى التى يجب أن تكون بالقائمة النسبية الغير مشروطة. إن انتخابات برلمانية تجرى على عجل وبنظام فردى مع كل أنواع الانفلات التى تصاحبه، وفى يوم واحد لا يمكن القضاة من إحكام سيطرتهم عليها ستكون أبلغ إساءة لأحلام الثورة ومستقبل النهضة فى مصر.
إن البرلمان المنتظر سيكون هو حجر الزاوية فى إقامة رقابة الشعب والمبادرة بكل التشريعات التى تطلق النهضة فى مصر، ولا يصح أبدا أن يتشكل إلا على أساس الكفاءة وحدها, لا دخل لنسبة الخمسين ولا لما يسمى كوتة المرأة فى ذلك. انتهى عهد تضييع فرص مصر فى النهضة على خلفية الحسابات ولا مجال اليوم إلا للكفاءة وحدها كمعيار أوحد يقيم هذه النهضة وبأسرع الخطى.
إذا أردنا استقرارا وشعورا شعبيا يخلو من الشكوك يدفع بكل إيجابية الثورة فى طريق البناء فلتكن خريطة طريق تتجاوب مع أحلام الثورة.
أولا: حكومة انتقالية محايدة وندعو الله أن يوفق الدكتور عصام شرف ليكون عند حسن ظن الشعب به تماما، فيستطيع أن يعيد فورا الأمن والنظام لحياة المصريين، ويحاصر الفتنة الطائفية بشفافية، ويتواصل مع الجماهير من أجل إعلان نوايا يطمئنهم على مستقبل مطالبهم، فيعود الجميع لأعمالهم، وتدور عجلة الإنتاج فى أسرع وقت.
ثانيا: تشكيل مجلس رئاسى من خمسة, أربعة مدنيين وممثل عسكرى.
ثالثا: إجراءات فورية لبناء الثقة وتشمل القائمة العاجلة الآتية:
*الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين.
*إعادة هيكلة فورية وجادة لوزارة الداخلية وجهاز مباحث أمن الدولة ونشر الأمن بالشارع المصرى فى تدرج سريع.
*وضع يد الدولة فورا على مقار وحسابات الحزب الوطنى.
*نشر القرار الموقع بالتنحى بالجريدة الرسمية فلم نره.
*تصفية رموز الحزب الوطنى فى الحكم بما يشمل المحافظين ورؤساء المدن وعمد القرى الذين يعينهم جهاز المباحث.
*حل المجالس المحلية فكلها مزورة.
*عزل كل رموز الإعلام الحكومى المنتمين للحزب الوطنى.
رابعا: إعلان دستورى مؤقت (بدلا من إعادة ترقيع دستور أسقطته الثورة، وأكد هذا السقوط نقل غير دستورى للسلطة إلى مجلس عسكرى) ويشمل هذا الإعلان:
-قواعد العملية الانتخابية
-شروط الترشح لرئاسة الجمهورية
-ضوابط تحمى النظام الديمقراطى الشفاف
-نظام حلف اليمين لرئيس الجمهورية الجديد.
خامسا: انتخاب مجلس تأسيسى لوضع دستور جديد للبلاد
سادسا: انتخاب رئيس الجمهورية الجديد
سابعا: إطلاق الحريات السياسية وتأسيس الأحزاب بالإخطار
ثامنا: الاستفتاء على الدستور الجديد
تاسعا: انتخاب البرلمان الجديد بعد مهلة سنة لكل الأحزاب للاستعداد
ندعو الله أن نأخذ أقصر الطرق إلى الهدف، وهو الطريق المستقيم، وندعو الله لمصر بالنهضة.
* أستاذ بطب القاهرة