كان ذهاب رئيس الوزراء الجديد عصام شرف إلى ميدان التحرير الجمعة الماضى انتصارا عظيما لثورة 25 يناير وللجيش المصرى معا، الرجل قال ان شرعيته مستمدة من هناك، وصدقه الجميع، لأنه كان موجودا فى الميدان قبل تكليفه، المشهد فى مجمله غير مسبوق ومتحضر ويبدو مشهدا شعريا، والرجل لغته شفافة وصادقة، ولكن هذا لا يعنى أن مصرتغيرت بالفعل، لأن التعديلات الدستورية رغم احترامنا للقائمين عليها أجلت التغيير المنشود، لأنه لا يعقل إجراء انتخابات مجلسى الشعب والشورى قبل انتخابات الرئاسة، التعديل الجديد للمادة 76 يحدد ثلاثة طرق لاستيفاء الترشح للرئاسة: أن يكون المرشح منتميا لحزب نجح أحد أعضائه فى انتخابات الشعب والشورى، أن يحصل المرشح على تأييد ثلاثين نائبا منتخبا، أن يحصل المرشح على ثلاثين ألف ناخب من خمس عشرة محافظة، مما يعنى أنه لكى يكون لك رئيس «جديد»، عليك أن تستخدم الآليات القديمة لاختياره، واستبعاد الروح الجديدة التى أشعلت الثورة وتسعى لتغيير الحياة السياسية بالفعل، وكان ينبغى أن تكتفى اللجنة الموقرة بتأييد الثلاثين ألف ناخب، ولأن الانتخابات البرلمانية لو حدثت أولا، ستنتج مجلسا قديما يشبه فى أحسن حالاته برلمان 2005، ولن تتمكن القوى الجديدة من تنظيم نفسها للمشاركة فى صياغة مستقبل البلاد، وهذا يعنى أن الثورة التى قدمت الشهداء فشلت فى تحريك المياه الراكدة وتغيير الصورة، اللجنة الموقرة كانت مشغولة بمنصب رئيس الجمهورية أكثر من انشغالها بنظام برلمانى متنوع قادر على استيعاب قوى جديدة فى المجتمع لم تشارك من قبل فى العروض الهزلية وتسعى الان إلى العمل المؤسسى، وهذه القوى هى صاحبة الشرعية لأنها قامت بالثورة أو ساندتها، ولو تم السيناريو المتفق عليه، وأجريت الانتخابات التشريعية أولا، سنجد أنفسنا أمام مجلس مكون من فلول الحزب الوطنى الأغنياء المدعومين بالبلطجية والخاسرين بغياب نظام مبارك والحسب القبلية ومن الإخوان المنظمين والذين يريدون حصة من تركة التغيير، بالإضافة إلى الوجوه المعارضة الفلكلورية التقليدية، وهو المجلس الذى سيكون مسؤولا عن صياغة دستور جديد للبلاد، وهنا تكمن الكارثة، وكأن الثورة لم تحدث ولم تقدم شهداء من خيرة أبناء الوطن، ولم تنتبه اللجنة الموقرة إلى غياب الأمن (ولم يقل لنا أحد حتى الآن لماذا هو غائب؟)، وكيف يتم الاستفتاء على التعديلات وانتخابات الشعب والشورى ثم الرئاسة وهو غير موجود؟، وحتى لو كان موجودا بشكل رمزى، ماذا سيفعل فى غياب الثقة بينه وبين الناخبين؟ هل يريدون اعطاء فرصة للبلطجية لإدارة الاننخابات؟، المطلوب الآن محاكمة رجال الأمن الذين أطلقوا الرصاص على المتظاهرين، والذين عذبوا المعتقلين السياسيين والذين شاركوا فى الفساد، لكى يشعر المواطنون أن مصر تغيرت بالفعل، وبعد ذلك نفكر فى المرحلة التالية، والتى ينبغى أن تبدأ بإجراء انتخابات الرئاسة أولا، ويتم إعطاء الفرصة للقوى الطالعة لتنظيم نفسها وإنشاء أحزابها ومعرفة برامجها، لأن هذه القوى صاحبة شرعية الآن، ولن تتوقف عن النزول إلى الميادين طالما تم تهميشها واستبعادها من صياغة المستقبل، وغير ذلك يعنى أن مصر لم تفعل شيئا! > >
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة