مجد خلف تكتب: نهاية الأرب.. فى ثورات العرب !

الثلاثاء، 01 مارس 2011 10:42 م
مجد خلف تكتب: نهاية الأرب.. فى ثورات العرب !

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صدقت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948 على الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى يتضمن مجموعة الحقوق والحريات التى يحق لكل إنسان التمتع بها، دون تفرقة على أساس الجنس أو اللون أو اللغة أو الدين أو الرأى السياسى أو الأصل أو الثروة أو الميلاد أو السن، وينادى الإعلان بحق الناس جميعا فى الحياة الكريمة، وفى التمتع بالحرية وبسلامة أشخاصهم، وعدم التعرض للقبض التعسفى وحرية التنقل والسكن وحرية العقيدة وحرية الرأى.. إلى آخر الحقوق التى تكفلها الدساتير الديمقراطية فى مختلف أرجاء المعمورة.

ومنذ نحو ستة عقود استقر الأمر فى البلاد العربية للسلطات الحاكمة وهى نوعان، إما ملكية أميرية أو جمهورية عسكرية، كل بلد يتبع فى نظام حكمه شرعية الحدث الذى جاء بحكامه إلى السلطة، فمصر مثلا اكتسب الحكم فيها شرعيته من انقلاب 1952، ووصل ضباط الجيش إلى سدة الحكم فى مصر، وعلى هذا النموذج استقلت كل الجمهوريات العربية ليكون على رأس السلطة فيها ضباط من الجيش، وفى الحجاز حكم آل سعود البلاد وسموها باسمهم (السعودية)عام 1932، وأول ملوكها عبد العزيز بن سعود الذى خلفه أبناؤه حتى يومنا هذا، ويقاس على هذا النموذج كل الملكيات والإمارات العربية، ومن الملاحظ فى هذه الملكيات أن الملك هو الذى يحكم، فهى ليست كنظام حكم بريطانيا ملكية دستورية، وإنما هى النموذج العربى لتوريث الحكم فى دول قبل شعوبها مرغمين التسلط عليهم، وفى كلتا الحالتين الملكية أو الجمهورية عند العرب سلطات الرئيس أو الملك أو الأمير هى سلطات مطلقة أدت إلى مفاسد مطلقة.

وعبر الستين عاما الماضية وفى كل الدول العربية كان هناك القاسم المشترك بين الشعوب والقاسم المشترك بين الحكام، فالحكام كانوا ولا زالوا إما طغاة أو مستبدين أو مرضى نفسيين أو متأمركين متهودين أو متآمرين، ومعظمهم هباشون!!

أما الشعوب فلم تطبق عليها أى من بنود الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، فعلى طول الأرض العربية من المحيط إلى الخليج قمع أصحاب الرأى وامتلأت السجون والمعتقلات بالسجناء والمعتقلين السياسيين والمعارضين والصحفيين المخالفين لأهل الحكم، والمواطنين العاديين كممت أفواههم وقطعت ألسنتهم ووقعوا تحت آلة التعذيب والقمع التى يملكها بالطبع أهل الحكم، حتى قال شاعرنا الكبير نزار قبانى فى إحدى قصائده وهو يصف أحوال بلاد العرب:
فأرض قمعستان جاء ذكرها فى معجم البلدان
وأن من أهم صادراتها حقائب جلدية مصنوعة من جسد الإنسان
وأول البنود فى دستورها
يقضى بأن تلغى غريزة الكلام فى الإنسان!!
هذه هى حال حرية التعبير التى أقرها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى بلاد العرب، فكلنا نعيش فى قمعستان، حيث الحرية تقمع والضرب فين يوجع!!

وما اعتبر من طبائع الأمور أن يسكن الحاكم فى قصره المنيف، والمحيطون به والمتسلقون على حكمه ينعمون فى قصورهم التى بنوها من الأموال المنهوبة من شعوبهم التى تسكن فى المقابر والعشوائيات، والكثير منهم لا يسكنون بيوتاً من الأساس، وها هى الحرية الثانية من حريات الإعلان العالمى قد نسفها حكام العرب.
أما عن حرية العقيدة فحدث ولا حرج، فقد ثبت بالدليل القاطع فى ميدان التحرير أيام المظاهرات أن ليس فى مصر ما سماه نظام الحكم السابق بالفتنة الطائفية، فالمسيحى كان يحرس صلاة المسلم، والمسلم يقف بالمرصاد لمن يتعرض للمسيحى أثناء إقامة القداس، وتوحد الشعب رغم أنف أمن الدولة الذين سوقوا لهذه الخدعة من منطلق فرق تسد، ولأن الحكام وجدوا أن الكل يحب تراب وطنه من المحيط إلى الخليج، روجوا للفتنة أن تقع فى العراق وفى البحرين بين السنة والشيعة وطوائف الشعوب المختلفة، وفى سوريا حكم العلويون منذ عام 1970 حتى الآن، وهم يرسخون الفتنة الطائفية بين الحكام والمحكومين تماما كما حدث فى لبنان، حين أقر الدستور الطائفى، ولا تخلو طريقة الحكم فى معظم بلاد العرب من دق الأسافين بين طوائف الشعوب ليسهل قيادها.

وعندما تنتهى الأمور إلى هذه الفروق المذهلة بين الطبقة الحاكمة والغالبية العظمى من المحكومين، فإن من المحتم حدوثه بمرور الوقت أن يتغير الناس، فالشعور بالظلم والقهر والكبت والمهانة يتعاظم ويكبر مع الأيام، والمعاناة تشتد مع تزايد الفساد، ويصل الحال بالمواطن العربى المطحون أن يموت وهو واقف فى طوابير الخبز أو يحرق نفسه احتجاجاً لأنه لا يجد ما يسد به رمق أسرته، أو لا يجد عملاً فى بلاد هى فى الأصل ملكه، تفشت البطالة فيها والمحسوبية والفساد والرشى، وبيع العام واغتصب الخاص وصبت الأرباح صبا تعمر خزائن الحكام، بينما الشعب لا يجد ما يأكله.

إن ما حدث فى مصر يوم 25 يناير كان نتيجة لتراكمات عبر ستين عاماً، وبدأ بانتفاضة الشباب المتعلمين، وانضم إليهم الملايين ممن تعدوا سن الشباب، الكل خائف على المستقبل الذى بدا غامضا غائما كالح السواد، وهتف الجميع كى يرحل الفساد الذى قضى على أحلامهم وأجهض طموحهم من طول المقام على رأس السلطة فى بلادهم، ولا نعجب من تكرار نفس النموذج المصرى التونسى فى ليبيا والعراق واليمن والبحرين والجزائر والأردن والبقية تأتى لأن القاسم المشترك فى الحكام واحد وهو الديكتاتورية بكل ما يتبعها من فساد وإفساد، والقاسم المشترك فى المحكومين واحد وهو الإحساس بالظلم والقهر والعجز والذل والكبت والحرمان والمهانة والخنوع والتبعية والجوع والفقر، وفوق كل ذلك المستقبل الضائع، فانفجرت الشعوب بالثورة هادرة مطالبة برحيل الحكام المفسدين و أذنابهم.
عقبال عند الحبايب، والله من وراء القصد...






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة