المتابع لأحداث المنطقة العربية فى الفترة الحالية، قد لا يستطيع إدراك واستيعاب التطورات السريعة والمتلاحقة فيها.. فقد أسقط نظاما تونس ومصر، والنظام الليبى على وشك، والمظاهرات تجتاح اليمن والجزائر والعراق، وليست دول الخليج التى كانت تعتبر الأكثر استقراراً ببعيد، وقد تكون البداية من البحرين.
غير أن هذه التطورات رغم أنهاـ وبحق ـ ستؤدى إلى تغيير خريطة المنطقة، وليس من قبيل المبالغة إذا قلنا إنها قد تغير خريطة العالم بأكمله، تقابلها ردود فعل متوترة ومذبذبة، من الدول الغربية، وبالأخص الولايات المتحدة، التى دائما ما يتأخر رد فعلها إلى أن تتيقن تماما أن نظام الدولة التى تدعمها قد أصبح سقوطه أمرا مؤكدا، وتصبح مصداقيتها الدولية على المحك، عندئذ تعلن تخليها عن هذا النظام.
هذا الموقف الأمريكى يمكن محاولة إدراكه فى ضوء محاولة توقع ما قد تسفر عنه هذه الأحداث، فأمريكا، ومعها إسرائيل، لا يخافان كثيرا وصول إسلاميين إلى الحكم، ولا يخافان حدوث أعمال عنف أو خرق لاتفاقية السلام أو ما إلى ذلك، لكن ما يخافانه حقا هو تغير "الشخصية" العربية مستقبلا، لتنتقل المواقف من رد الفعل إلى الفعل، ومن الشجب والإدانة، إلى اتخاذ مواقف فعلية، إذ إن الدول العربية تملك من وسائل النفوذ ما يؤهلها إلى تكون لاعبا أساسيا على الصعيد الدولى، ولكن لأسباب لم تتضح أبدا على مدار العقود الأربعة الماضية، لم تظهر بهذا المظهر.
ولكى يكون الحديث أكثر إيضاحا سأستشهد بتصريح نائب رئيس الوزراء الإسرائيلى سيلفان شالوم للقناة السابعة الإسرائيلية مساء الأحد الماضى، والذى نشره موقع "اليوم السابع" بتاريخ2 -27، حين سُئل عن مرور السفينتين الإيرانيتين من قناة السويس، حيث قال: "إنها خطوة استفزازية، لو كان حسنى مبارك فى سدة الحكم ما كانت هذه السفن مرت"، هذا التصريح ودون مزيد من التفاصيل يدل على مخاوف غير مشروعة للجانب الإسرائيلى، من مجرد ممارسة مصر سيادتها على قناة السويس، والتصريح ليس بحاجة إلى تحليل.
فمصر التى خرجت من معادلة العمل العربى المشترك بتوقيع اتفاقية السلام عام 1979، عادت مع النظام السابق، إلى المعادلة ولكن وفق رؤية "مزاجية" لم تأخذ من تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى سوى قيود هذه الاتفاقية، وزاد عن ذلك أن كونت مع السعودية محور "اعتدال" بالمفهوم الأمريكى ـ الإسرائيلى، لطالما تغاضى عن مذابح الإسرائيليين بحق الفلسطينيين، بل زاد إلى عداء ممنهج لجميع أشكال مقاومة الاحتلال، مثلما اتضح جليا خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، ثم الحرب الإسرائيلية على غزة.
ولم تكن الكيانات العربية الأكبر حجما، بأسعد حظا، فالجامعة العربية كانت وما زالت كأن لم تكن، بينما مجلس التعاون الخليجى لم ينس قط أنه أنشئ عام 1981 كنتيجة للمخاوف الخليجية من نتائج الثورة الإيرانية، وكأن عدم الاعتراف المزعوم بالكيان الصهيونى كاف لإبراء ذمة هذه الدول.
إذن، فاتجاه الدول العربية إلى منحى مختلف عما اعتادته القوى الدولية، كأن تتجه نحو علاقات أكثر تنسيقا مع الجانب التركى، أو إلى تفاهمات حول الأهداف المشتركة مع إيران، ثم إلى علاقات أوسع مع روسيا والصين، وقبل كل ذلك التوحد خضوعا لرغبة شعوبها، أقول إن هذا الاتجاه، يمنح النظم العربية الجديدة قرارا أكثر استقلالا و"شخصية مغايرة لتلك التى كانت من قبل"، ستعمل القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة على وأدها، وأمام شرق أوسط خال من أغلب النظم التى طالما اعتبرتها واشنطن حليفتها، ونظم عربية تدرك جيدا رغبات شعوبها، ستجد أمريكا والقوى الدولية، وإلى جانبهما إسرائيل، ستجد نفسها أمام إرادة شعبية حرة تجعل هذه القوىـ حفاظا على مصالحها الخاصة فقط ـ تلجأ لأحد خيارين: إما احترامها، أو محاولة كسرها، وأعتقد أن الخيار الثانى شبه مستحيل.
وخلاصة القول.. تدرك كل من الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل، أن الخيارات العسكرية غير مطروحة لأى من الرؤساء العرب، سواء الحاليين أو القادمين، وبالتالى فإن قلقهما ينبع من تغير الوطن العربى نحو قوة لن تسمح حقا باستخدام هذه الخيارات فى المنطقة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة