ريمون فرنسيس

ديكتاتورية مبارك مرفوضة وأيضا بعض الثوّار

الأربعاء، 09 فبراير 2011 08:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إعجابنا الشديد بالانتفاضة الشعبية فى 25 يناير وما استطاعت أن تصل إليه من نتائج لم تستطع قوى المعارضة أو أى قوى سياسية أخرى الوصول إليها، جعل الساحة مستعدة لطرح أى شخصيات وأى أطروحات مع أى تعريفات ليست فى محلها، وإحساسنا بأنه أخيرا أصبح فى مصر جيلا من الشباب القادر على التغيير، جعلنا نشجعهم بل نشاركهم فى السطو على انتفاضة الناس والشعب المصرى بأكمله كله، الذى خرج فى أيام الانتفاضة وليس له أى انتماءات سياسية أو حسابات أو غرض لتصفية الحسابات مع الرئيس مبارك، خرج الشعب المنتفض يحمل فى فكره وكلماته مطلباً واحداً يتمثل فى "تغيير حرية عدالة اجتماعية" تلك العبارة كانت شعاراً حمله الشعب، السيدة التى تحلم بزيادة المعاش والعامل الذى يحلم بزيادة أجره ومواطنين كواهم الغلاء ويحلمون بأسعار أقل وأجور أعلى، مواطنون عانوا من استبداد بعض عناصر الشرطة التى تضيق عليهم فى حياتهم اليومية حلموا بالعدالة، هؤلاء هم القوام الرئيسى، ولا شك أن الشرارة الأولى جاءت من شباب الفيس بوك وتويتر، ولكن هذا ليس كافياً أن ننسب لهم إنجاز شعب بأكمله، ونترك فى أيديهم اللجام، هؤلاء طالما لهجوا فى دعوة للتظاهرة والثورة طوال 7 سنوات، بلا أى جدوى ولم يحققوا أى تقدم ولو بنسبة ضئيلة، والسر فى نجاح الانتفاضة هذه المرة هو خروج الشعب الكادح الذى ضاق من الظلم الاجتماعى الناتج عن التوزيع غير العادل للثروة فى مصر، هذا الشعب الذى قدم الشهداء والجرحى والمعتقلين أيضا، وأصيب عدد كبير منهم بعاهات مستديمة، هؤلاء كلهم ثبت أن معظمهم ليس لهم أى علاقة بأى حركة أو تيار سياسى.

أضف إلى ذلك أن هذه التظاهرات رفعت شعاراً واحداً فى البداية وهو "تغيير. حرية. عدالة اجتماعية" فيما يدلل على أن الاعتراض كان على ما بعد منصب الرئيس من حكومة وحزب ولم يكن فى خيال المتظاهرين فكرة تنحى الرئيس إطلاقا، فهى كانت درباً من الخيال وقتها، خصوصا أن الثقة فى خروج الناس كانت مهتزة بالأساس، ولكن عندما علت الموجة وجدنا قراصنة السياسة تود أن ترتدى قناع السندباد وتركب الموجة، نجحوا أحيانا وفشلوا غالبا.
دعونا نؤكد أنه لولا انسحاب الشرطة من الشارع لظل مجرد تظاهرة يصدها الأمن.

وهنا أسأل بأى حق ينسب إنجاز الشعب كله إلى أولئك أو هؤلاء، هذا الشعب الذى رضى بما وصلت له الانتفاضة من تغيير وعاد لممارسة حياته الطبيعية حرصا على أكل عيشه حتى لو أجره غير مجز، هل من العدل أو المنطق أن كل شاب يجمع حوله بضعة أفراد يقول إنهم جماعة وطنية ويريد التفاوض مع رئيس الوزراء باسم الشعب، أو بضع أفرادا بقوا فى الميدان الذين يحاولون أن ينسبوا الثورة لأنفسهم وكل شلة من العاطلين الذين ليس لهم "شغلة أو مشغلة" أو من شباب "بابى اللى بيشتغل وأنا اللى بصرف" وهو يريد الآن أن يلوى ذراع الوطن كاملا لتحقيق مطالبهم التى لا يوجد أى دليل على أنها مطالب الناس جميعا، مع الإشارة إلى أن هذه المطالب ليست مطالب فئوية لكى تتحقق بالاعتصام بل مطالب تخط كل المواطنين، لابد أن يجرى استفتاء عليها، وهكذا أصبح ميدان التحرير ميدان الحرية والشرف والانتفاضة الشعبية، هايد بارك المرتزقة والعملاء لا يمكن أن يمثلوا الشعب، بل أشك أنهم بدأوا فى الانتفاضة أصلا.

من قال إن حركة 6 إبريل هى الأكثرية وتعبر عن الشعب وهم بضعة أفراد يعدون على أصابع اليدين، وتقاضيهم رواتب من الأمريكان أمر أصبح معروفا، ناهيك عن أنهم لم يحققوا أى تأثير مع الناس لأكثر من 7 سنوات، أو الحركة الوطنية للتغيير التى اختفى رئيسها محمد البرادعى معظم الوقت أمنا فى بيته وأعضاؤها يظهرون كالبرق ويختفون معظم الأحيان، أو من يطلقون على أنفسهم ائتلاف 25 يناير من أعطاهم الحق للسطو على ثورة الشعب المصرى، هؤلاء الشباب الذين ضخمتهم وسائل الإعلام على غير حق ونسبت لهم نتائج انتفاضة الغضب تعاملوا مع الموقف بأنانية الديكتاتور وأصبح المجتمع بأثره 85 مليون مصرى أثير رغبة هؤلاء، جموع الشعب الذين تعطلت مصالحهم وتأثرت أعمالهم وخسروا أموالهم، وأصبحت الديمقراطية والتغيير هى فقط ما يرونه وتلبية مطالبهم مصادرين على إرادة الشعب كله فى طلبهم برحيل الرئيس بينما الديمقراطية تحتم إجراء استفتاء لتقرير مصير الشعب.

من قال إن السياسة هى القدرة على التظاهر والصوت العالى وماذا عن عامة المصريين الذين لا يفقهون فى هذه الألاعيب ويراعون انشغالهم حتى إذا كانت أجورهم غير مجدية.

كما أن الانسياق خلف هذا المبدأ سيجعل كل شخص يستطيع جمع بضعة آلاف على الفيس بوك أن يدعوهم إلى احتلال أحد الميادين وما أسهل فعل ذلك فى نطاق طائفى أن تقوم أى طائفة عمال فلاحين، شيعة بهائيين مسيحيين أو إخوان مسلمين باحتلال ميدان رمسيس مثلا لتحقيق مطالبهم ما هذا الهراء.

وهنا لا أدافع عن نظام مبارك بل أعترف مع كثيرين أن عليه أخطاءً كثيرةً لعل أبرزها أن مبارك قد قصف أى شخص كان من الممكن أن يكون معارضا أو حتى حقيقيا أو زعيما للشعب سواء من المعارضة أو حتى من داخل البيت ليكون مبارك هو الزعيم الأوحد واكتفى بوجود بعض الشخصيات التى تمت صناعتها فى مكاتب أمن الدولة والحزب الوطنى لاستكمال ديكور الديمقراطية، واكتفى هؤلاء بدور الكومبارس فى المشهد السياسى.

هؤلاء الذين يريدون الآن استخدام شباب 25 يناير فى تصفية حساباتهم مع النظام والانتقام منه فى إشارة إلى أنه أصبح الآن ذو باس وقادرين على الإطاحة بالرئيس الذى صنعهم فى يوم من الأيام، لقد زرع مبارك من يخلعوه الآن، والمدهش أن الشباب الذين غيروا مجرى التاريخ لديهم السذاجة الكافية لاستخدامهم.

هنا وجب التوضيح أنى لا أقصد الشباب جميعا الذين خرجوا فى أيام الانتفاضة وحققوا وكانوا من أسباب قوتها، بل أقصد الشباب المرتزقة والمدعين الذين يريدون أن ينفردوا بالمشهد وحدهم، وأنا أشك أن يكونوا خرجوا فى أيام الانتفاضة أصلا، تحت دعوى أنهم هم من قادوا المسيرة ممن تم تلقينهم بأهداف أجنبية دون أن يكون لديهم أى إدراك لما يقولوه وواقعه على وطن كامل، وحجم الدمار الذى سيحل على الدولة المصرية جراء الفوضى التى سيخلفها رحيل رئيس الجمهورية دون معرفة من يخلفه وحجم الإهانة فى حق مصر كدولة عظمى إقليميا، يدلل على هذا طلبات الشباب التى تم برمجتهم عليها، وضعوا المواطنين جميعا رهن تنفيذها، الأمر الذى يعبر عن سذاجة سياسية منقطعة النظير فهم يطلبون بمنتهى السهولة، فهم يريدون تغيير النظام بأكمله وتغيير الدستور بكامل مواده، وحل مجلسى الشعب والشورى وإعادة انتخاباتهما، ومحاسبة الفاسدين وتنحى الرئيس، وبالمرة يطرد خارج البلاد بل ومحاكمته بل وبعضهم حكموا عليه بالإعدام أو النفى، كل هذا فى أقل من 6 أشهر، وهذه المطالب الراديكالية المتشددة إنما تعبر عن فئة معروفة بعدائها الدموى تجاه النظام وكل من يختلف معهم.

ما قاله هؤلاء يعبر، بما لا يدع مجالا للشك، عن عدم خبرتهم بالحياة والعمل السياسى، فهم أصلا لم ينخرطوا بعد فى سوق العمل، وهو ما يؤكد نظريتى فى استثمار حماسهم من قبل مجموعة اختارت أن تكون فى الخفاء فى البداية، وتم تلقينهم طلبات دون وعى بأبعادها، فى ضوء التغييب السياسى الذين يعيشوا فيه بل، إنى أراهن أن معظم هؤلاء ليس لديهم بطاقات انتخابية، أى أنه إذا تم حل البرلمان لن يكون لهم أى دور فى إعادة انتخابه، أو ربما وقتها يطالبون بإلغاء البطاقات الانتخابية بالمرة، بل إن رفضهم الانسحاب إنما يعبر عن انعدام المسئولية لديهم تجاه الشعب الذين يدعون تمثيله ولا يعرفون أن تكديرهم للأمن العام وإيقاف الحياة العامة عاد بالاقتصاد المصرى 35% بمعنى أنهم عادوا بالبلد 15 عاماً للوراء، فضلا عن انهيار عدة صناعات مثل الأغذية والأدوية السياحة والسينما كل هذا يؤكد أن هؤلاء لا يمثلون أى نسبة من شعب مصر البالغ عددهم تقريبا 85 مليوناً إذا سلمنا أصلا أنهم وصلوا إلى مليون متظاهر، وهذا رقم مشكوكا فيه، لأن مساحة ميدان التحرير لا تستوعب هذا الرقم.

وعلى ما يبدو أن النجاح غير المتوقع كان أكبر من استيعاب الشباب، حتى إنهم فقدوا السيطرة على طموحهم ولم يجدوا ما يقولوه بعد اقتراب أحلامهم من الواقع، فجاء تلقينهم بفكرة جديدة، وهى إسقاط النظام ورحيل مبارك على طريقة بن على لمحاكاة التجربة التونسية بحذافيرها، مع الإشارة إلى أن هذا المطلب الراديكالى معروف من المحرضين عليه.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة