لازال صمود الشباب فى ميدان التحرير هو العنوان المتصدر للأحداث، شباب يسقط مضرجا بدمائه على أرض الوطن، لأنه أبى أن يستسلم لإرادة النظام الظالم الذى بدأ يكشف عن وجهه الحقيقى فى مواجهة الجماهير الغاضبة الرافضة لاستمراره، كان الأمل معقودا على استجابة مشرفة، من نظام استمر لسنوات يروج لفكرة العمل من أجل الفقراء، والطبقة الكادحة، لكنه سرعان ما كشر عن أنيابه، التى غرزها بكل وحشية فى جسد قضيتهم العادلة، المسالمة، التى ومنذ اللحظة الأولى لم تمارس تخريبا، ولا تمزيقا فى وحدة الصف المصرى، بل اندست قلة مارقة ممن أرادوا لها أن تبدو غوغائية، حاقدة، لاقلب لها، ولا دين، كى تبدو للعالم بانها فوضى وليست ثورة.
سقط القناع، وتوارت الوعود، وانكشفت النوايا، وتعرت الوجوه، وسيطرت الشراسة والدموية على أفعال رجال النظام وحاشيته المنتفعة، التى أرهقت الشعب لسنوات طويلة، واستنزفت قدراتهم وطاقاتهم الخلاقة، وامتصت رحيق شبابهم اليافع، وتركتهم فى أقبية الظلام والقهر، لا يعرفون لهم هدف، ولا أفق واضح لمستقبل قريب.
المشهد يشتد ظلاما، وانحرف مسار البوصلة، وبدأ يظهر فى الأفق ضباب غائم لسماء حبلى بالأحداث، انعدام الثقة أحد عناوينها العريضة، التشكيك والحذر، يبدوان سيدا الموقف، الخوف من القادم المجهول، والأمل فى حصد نتائج مشروعة، ارتوت الأرض من دماء المنادين بها.
مظاهرات سلمية تماما، بيضاء من غير سوء، شعارها "سلمية .. سلمية" ،لكن خفافيش الظلام حولوها الى "دموية .. دموية".
إن الفوضى الخلاقة التى يروج لها الغائبون عن الحقيقة، لا وجود لها فى هذه الثورة الشعبية الباسلة، التى خرجت بعفوية المقهور، تريد تغيرا شاملا لا لبس فيه، لكل رموز النظام حتى تطمئن القلوب، لشفافية حكم جديد، بدماء جديدة، مستقبل البلاد غير مرهون بقداسة لشخص، فالقداسة لله وحده لا شريك له، له الحمد وله الملك مهما استطال البلاء، ولا يعنى هذا الخروج اهانة لشخص الرئيس، وتذكروا التاريخ الذى بشر بثورة يوليو المجيدة التى انتزعت حقوقها المشروعة من النظام الملكى الذى تواطأ على الشعب مع الإنجليز وقوى التحالف، أخرجت الشعب من براثن الطغيان، ولم يكن خروج الملك فاروق حينها خروجا مهينا، خاصة أنه استجاب سريعا دون تأخير، انصياعا لإرادة الشعب، بل خرج خروج الأكرمين.
إذا كان الخوف من المؤامرات والأجندات الخارجية، فإن الخوف الأعظم يأتى من إسرائيل، التى لا يهمها تنحى الرئيس، بقدر اهتمامها بمن يرعى مصالحها ويبقى حارسا عليها، حتى لو قتل الشعب بأسره.
إسرائيل التى تعلن خشيتها من إيران جديدة فى مصر، لديها من الأحزاب الدينية المتطرفة الكثير، والذين يفوقون فى تطرفهم وعنصريتهم أطياف المجتمعات الإسلامية جميعا، من العصابات الصهيونية التى مارست كل أشكال الإرهاب العنصرى، وحافظت على ساديتها فى ترويع الشعوب، ونهب أراضيهم وثرواتهم.
من يروجون لمثل هذه الشائعات، هم فى حقيقة الأمر يريدون اجهاض مكاسب ثورة شعبية شريفة، انبثقت من رحم الخوف، وانطلقت معتصمة بحبل الله أملا فى تغيير جذرى يجتث الفساد دون رجعة، فقد آن الآوان لتدفق دماء جديدة فى عروق حياة راكدة، فالشباب الثائر لا يريد اعادة انتاج النظام الذى ارتكز على ثلاث ركائز اساسية :الحاكم، الحزب والأجهزة الأمنية، لكنه يريد مناخا رحبا يحقق مطالبهم العادلة بمنتهى الديقراطية والتحضر، دون الالتفاف على إنجازاتهم من أى طرف أى كان.
كل الخشية الآن من حجم الشائعات الذى بدأ يتصاعد بوتيرة متلاحقة، أربكت الرأى العام، وتحاول التأثير فيه، فى ظروف مواتية لاحتضان كل ما يرشح عن وسائل الإعلام على اختلاف توجهاتها ونواياها، سواء كانت موضوعية أو خبيثة، لكن يبقى الأمل فى نقاء هذه الثورة، ونبل أهدافها، درع وقاية من أى فتنة محتملة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة