فى الأيام العشرة الماضية حقق المصريون الكثير من الحقوق التى ظلت غائبة عنهم لسنوات طويلة، وتحديداً منذ ثورة يوليو 1952، ولعل أهم ما انتزعه المصريون غير الإصلاحات الدستورية، وإطلاق الحريات العامة، وغيرها سقوط دولة الأمن والحزب.
ما أقرأه فى أحداث الجمعة 28 يناير على وجه الخصوص حين فرت الشرطة من الشوارع، ومن ثم حرق المقر الرئيسى للحزب الوطنى على كورنيش النيل فى القاهرة وعدد غير قليل من مقار الحزب فى المحافظات، أن الشعب قال كلمته، وأسقط النظام الأمنى البوليسى شديد الغلظة والعنف والقمع، مما يعنى إعادة بناء شرطة وطنية حقيقية يكون هدفها الأول الحفاظ على أمن المواطنين والوطن، وليس أمن السلطة السياسية فقط، كما كان موضوعاً فى قمة أولويات هذا الجهاز.
الرسالة الثانية هى أن ما قام به الحزب الوطنى من احتكار للسطة، وإغلاق كافة منافذ التغيير والتعبير قد انتهى إلى غير رجعة، وكنت قد كتبت عقب انتخابات مجلس الشعب الأخيرة أن الحزب أغلق بهذه الانتخابات منافذ التعبير كافة واحتكر السلطة، ومن ثم أغلق آخر منافذ التعبير عن الرأى والاختلاف، ومن ثم التنفيس الذى كان يتم بشكل يومى فى الحياة المصرية.
وكما لم يعد ممكنا أو مقبولاً عودة الشرطة إلى سابق عهدها، لم يعد مقبولاً عودة الحزب الوطنى إلى الساحة السياسية كما كان، أعرف أن بعض العائلات لا تزال على ولائها للحزب بحكم أنه محتكر السلطة، لكن معظم قيادات هذا الحزب ليس فى القاهرة وحدها، وإنما فى معظم المحافظات لا يطيقهم أحد، بل أن العديد منهم مارسوا فساداً سياسياً ومالياً كبيراً.
وأعتقد أنه كما سيجرى تحقيق مع وزير الداخلية السابق وقيادات الشرطة فى كل ما يتعلق بانهيار هذا الجهاز الأمنى، وما فيه من فساد إدارى ومالى، فإننا نتوقع أيضاً أن تطال التحقيقات قادة ورموز الحزب الوطنى ممن أفسدوا وأثروا على حساب الشعب.
صحيح أن الحزب الوطنى لن تقوم له قائمة مرة أخرى، لكن التحقيق مع قادته وتقديمهم إلى العدالة، يجب أن يكون سريعاً وحاسماً، فهذا الحزب لم يفسد الحياة السياسية فى مصر فقط، وإنما أفسد الحياة العامة، وقضى على العدالة فى كافة مناحى الحياة، ويكفى أن الولاء للحزب أو أشخاص فيه كان الوسيلة الوحيدة للترقى فى الوظائف العامة، وفى الجامعات والشركات القابضة والبنوك، حتى سيطر الحزب ورجاله والمحسبون عليهم على كافة الوظائف القيادية فى المجتمع بسبب الولاء وليس الكفاءة.
مصر أسقطت الشرطة المتسلطة.. والحزب الفاسد.. وآن أوان محاسبة كل من أفسد ونهب وعذب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة