غادة عبود

إحنا لسه ناس جدعان

السبت، 05 فبراير 2011 08:11 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أكتب هذا المقال وأنا فى انتظار وصول أختى الصغيرة من القاهرة ضمن مجموعة من الطلاب والعائلات التى تقوم السفارة السعودية فى القاهرة بتجهيز رحلات عودة لهم إلى السعودية.

أكتب هذا المقال بينما جدة تغرق فى حزنها على ضحايا السيول التى طمرت وجه المدينة وشحب من حزنها أهلها، والذى صاحب هطولها ثورة الغضب فى القاهرة. الغرق أتى على جدة فأصمتها، أما الغضب فأتى على القاهرة فصرخ أهلها وسمع صريخهم العالم كله.

كان من المعتاد أن أفرح لمدينة وأحزن لأخرى، ولكن هذه المرة فقد اختلط ماء السيول القاتل الصامت الذى أتى على الشوارع والأنفاق والبنايات، بأصوات الصراخ ومذيعى قنوات الأخبار التى توجهت كلها إلى القاهرة.

ألم على جدة وفزعة على القاهرة، فللمرة الألف أحس بعجزى نحو جدة، وللمرة الأولى أشعر بخوفى وفزعى على القاهرة. نعم أكيد أحترم رغبة القاهرة فى التغيير وأجلّها. هذا الشعب الذى فى عز ضعفه طالما وقف قويا صامدا. ولكن كيف لا أفزع وقد بدأ النهب والسلب والتكسير يصبح العنوان الأكبر على كل الشاشات. وفى نفس الوقت يمر شريط أخبار القناة الأولى عن مساعدات الدفاع المدنى السعودى لضحايا سيول جدة، يمر الشريط بطيئا صامتا. ثم تصرخ القاهرة من جديد فتعود تتابع فى فزع، ويظل الحال هكذا بين فزع وعجز، صراخ وصمت.

أختى من القاهرة تقول إنها بخير وفى طريقها للعودة، والشارع فى جدة حزين غريق بين السيول والصمت، فالغضب له صوت يصرخ، والغرق كمرادفه الموت صامت.
ولكن تأتى مجموعة من الشباب من البلدين لا يرضيها أن تقف صامتة عاجزة. كلاهما تحرك من تلقاء نفسه فى جدة لإنقاذ جاره وأطفال شارعه، وفى القاهرة لحماية حيّه وجيرانه.

هؤلاء الشباب الذى ظن المجتمعان أنهما ضحايا اليأس والاستهتار، هما اللذان بادرا لإنقاذ الأطفال والنساء العالقين فى الشوارع التى داهمتها السيول، فجرفت السيارات وأسقطت أسقف البيوت. وهم الذين وقفوا فى القاهرة ليكونوا دروعاً بشرية ضد أى تخريب أو فساد.

الشباب الذى ظن الجميع أنه يستحق البطالة، وأن دينه مشكوك فى جوهره، هو الذى أثبت وطنيته وانتماءه وشهامته فى شوارع القاهرة وجدة، فى القاهرة لجان شعبية من الشباب تحل الأمن، يوم قرر الأمن أن ينسحب. و فى جدة امتدت أيادى الشباب تنتشل امرأة عجوز جرفتها السيول عن أهلها، وكونوا حملات تطوعية لاستكمال مساعدة الضحايا و توفير المواد الغذائية لهم.

رغم حالة القلق والترقب التى تعترى المشهد المصرى، ورغم الحزن الصامت الذى يمد عباءته على جدة والسعودية بأكملها، ورغم اختلاف المشهدين تماماً طبيعةً وجوهرا، إلا أن هناك عاملاّ واحدا يجمعهما غير التوقيت، أثبته أهالى البلدين، الإحساس بالمسؤلية. مسؤلية الفرد فى خدمة المجتمع. دور الشخص فى حماية المجموع. مبادرة المواطن لإنقاذ وحماية الشارع. وطالما أن بيننا من لا ينتظر كاميرا و لا كرسى ليؤدى دوره، و طالما ان هناك من يدفعه حبه لوطنه ليبذل كل ما يستطيع من أجل أمان و حياة جاره.

نحن الذين كنا نظن أن الخير يتسرب من بيوتنا، وأن الحقد يتسلل إلى نفوسنا، وأن الخيانة والخداع بطل لقصصنا، نحن الذين خفنا من بعضنا بالأمس، اليوم تعلمنا أننا دروع حماية لبعضنا، وأن الخير و الحب هو من ينتصر فينا، وأن الوطن هو الأمان الذى نمنحه لبعضنا قبل أنفسنا.

لا أزال فى انتظار أختى حتى تصل من القاهرة و لكنى أثق أنكم أخوة لها وبإذن الله ستصل سالمة. لا أزال رغم الحملات التطوعية – سراً- يتجدد داخلى إحساس بالعجز نحو جدة الغارقة.

لا أزال أسأل نفسى كيف يمكننى المساعدة؟
لا أزال أسأل نفسى متى أعود للقاهرة؟





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة