الثلاثاء: 25 يناير/12:00 ظهرا/ الهرم
على الفيس بوك مع المخرجة شيرين غيث.
شيرين: هاى.
محمد: هاى.
شيرين: إحنا مجموعة كبيرة هنتقابل فى «سيلنترو» على واحدة ونص ونتحرك.
محمد: ههههههههههههههههه.
شيرين: إيه الكلام بيضحك قوى؟
محمد: أصل مفروض إن دى ثورة جياع، «سيلنترو» ده بيضحك طبعا.
12:45 ظهرا/ الطريق إلى المهندسين
سيولة مرورية غريبة من الهرم للمهندسين، قلت فى سرى: لو كده نعمل ثورة كل يوم.
01:00 بعد الظهر/ مقر جريدة «اليوم السابع»
الجريدة بجوار مسجد مصطفى محمود نقطة انطلاق المتظاهرين، صعدت لشحن الموبايل لأنه كان «فاصل شحن»، معظم الموجودين بالجريدة كانوا بين مستخف بالثورة غير مقتنع بنتيجتها، ومؤيد لها لكنه محبط لعدم وجود أخبار عن أى شىء، وكل قليل يأتينى واحد: منزلتش ليه يا مناضل، ولا هو النضال على الفيس بوك بس؟
01:30 مساء/ مقر «اليوم السابع»
شيرين غيث فى التليفون: إحنا فى سيلنترو اللى قدام مصطفى محمود وهنتحرك كمان ربع ساعة.
أخبار عن تفريق الأمن للمتظاهرين أمام جامع مصطفى محمود.
الموبايل شحن شَرطة واحدة.
01:45 مساء/ المهندسين
أخبار بالقبض على مرتادى سيلنترو.
تليفون مع شيرين غيث: إحنا خرجنا قبل القبض.
02:00 مساء/ المهندسين الدقى - التحرير
رغم أن الجريدة تقع فى الطابق الثامن عشر إلا أن أصوات المتظاهرين بأسفل كانت ترج المكان، تركت كل ما بيدى وجريت إلى المصعد للنزول مع أفواج المتظاهرين، تأخر المصعد طويلا، ثم جاء، فنزلنا فيه أكثر من 10، رغم الورقة المكتوبة خارجه: برجاء عدم ركوب أكثر من 6 أشخاص، وحين وصلنا إلى الدور الأرضى، وجدت الزميلة الكاتبة الصحفية علا الشافعى نزلت كل هذه الأدوار على السلم وتهرول، فجريت بجوارها، فقالت إنها تركت تليفونها ومحفظتها وسترتها ونزلت جريا.
التحمنا بالجماهير من أول شارع البطل أحمد عبدالعزيز وسط ذهول وارتباك ضباط ولواءات الداخلية الذين أرعبهم منظر الآلاف دون أن يعرفوا كيف يتصرفون معهم.
سارت الجموع من أول البطل أحمد عبدالعزيز، حتى معهد «المصل واللقاح» فى نهايته، ثم أسفل كوبرى الدقى حتى الميدان، وأمام سينما التحرير بشارع التحرير وقفت صفوف الأمن المركزى أمام المتظاهرين لمنعهم من مواصلة السير لمدة دقائق، والمتظاهرون يهتفون: سلمية.. سلمية، ويا عسكرى قول الحق إنت مصرى ولا لأ.
يمكنك أن تبكى براحتك من الفرح فى هذا الموقف، مصر تتحرك بعد شلل طويل.
04:00 مساء/ ميدان التحرير
كل الموبايلات لا تعمل، مما يعنى فقد المجموعة التى اتفقت معها على أن نلتقى فى المهندسين نهائيا.
بمجرد أن دخلنا استقبلنا الأمن استقبال الأبطال، حفلة كاملة من قنابل الغازات المسيلة للدموع، ورشاشات المياه الكبريتية الحارقة من إحدى العربات المصفحة، لكن أحد الشباب تسلق السيارة وأمسك الجندى الذى يطلق القنابل والمياه وقفز به من فوق السيارة التى اخترقت الجموع مسرعة لتصدم بعض المتظاهرين. اختبأنا فى مدخل إحدى العمارات بالميدان للاحتماء من القنابل، وحين خرجنا بعد ساعة تقريبا كانت الأمور أهدأ.
08:00 مساء/ ميدان التحرير
المتظاهرون متحلّقون فى حلقات هتاف وغناء فى منتهى السلمية، وبعضهم يشترى طعاما بكميات كبيرة ويوزعه على الجالسين، والبعض اشترى بطاطين لتشجيع الجالسين على المبيت، ونصبوا خيمة إسعافات أولية فى وسط الميدان، واشتروا ميكروفون وعلقوه على عمود إشارة المرور.
09:00 مساء/ ماكدونالدز التحرير
قابلت مجموعة جامع مصطفى محمود صدفة، لم يتبق منها سوى إياد عبدالمجيد الصحفى بالشروق، والمخرجة شيرين غيث، وأردنا أن ندخل الحمام فرجعنا قليلا إلى محل ماكدونالدز أمام الجامعة الأمريكية، فوجدنا قيادات الأمن مجتمعين بالداخل، وأحد اللواءات يطمئن إسماعيل الشاعر، مدير أمن القاهرة، أن المتظاهرين يتناقصون بشكل كبير.
خرجنا وظللنا نهتف مع الهاتفين، ونحن نشعر أننا على وشك أن نغير، وقلنا: لو قدرنا نبات هنا لحد الصبح، الرئيس هياخد طيارته ويرحل.
12:00 منتصف الليل/ ماكدونالدز التحرير
الحمّام مرة أخرى.
إسماعيل الشاعر يلملم أشياءه، ويقول لمن حوله: خلاص تمام.
01:00 و02:00 و03:00 صباحا/ التحرير باب اللوق نفق شبرا
المتظاهرون بهتافات هادئة، وأغان وطنية، وكثير من الشباب ينحنى ليجمع الأوراق من الأرض فى أكياس بلاستيك فى مشهد حضارى جميل.
فجأة نفهم معنى: «خلاص.. تمام» التى قالها مدير الأمن، هجوم مروع من قوات الأمن على المتظاهرين، بالقنابل المسيلة للدموع، وهراوات الأمن المركزى.
قبلها بدقائق كان كمال أبوعيطة قيادى إضراب الضرائب العقارية 2008 يمسك بالميكرفون ويلقى بتعليمات على المتظاهرين: كله يقعد على الأرض، ومحدش يتحرك مهما حصل، بالطريقة دى عمرهم ما هيعرفوا يُفضونا.
بمجرد هجوم الأمن المركزى من كل اتجاه، كان الجميع يجرى فى كل اتجاه، لحظات شديدة الصعوبة، تفرق شمل المتظاهرين حتى تجمع عدد كبير منهم مرة أخرى فى شارع هدى شعراوى، وساروا آلافا فى اتجاه باب اللوق، فى هذه اللحظة كانت مصر مفتوحة تماما أمام المتظاهرين، والأمن مازال محصورا فى ميدان التحرير، لكن بلطجية الأمن المدسوسين وسط المتظاهرين بملابس مدنية قادوا المظاهرة إلى شارع عماد الدين ثم ميدان رمسيس، ثم إلى كمين محكم تماما فى نفق شبرا، حيث أغلق جنود الأمن المركزى النفق تماما من أوله وآخره على المتظاهرين وعينك ما تشوف عصيان وبيادات عساكر الأمن المركزى وهى تنهال عليك بسبب الدخان الكثيف للقنابل.
03:00 صباحا/ نفق شبرا
من التعليمات الأساسية فى المظاهرات: إذا لم تكن ناشطا أو خبيرا بالتظاهرات فلا تكن فى الصفوف الأولى أبدا، حافظ على مكانك فى منتصف الجماهير.
لم ننفذ هذه القاعدة ولم نعلم مدى أهميتها إلا متأخرا، كنا ثلاثتنا فى الصف الأول للمظاهرة: إياد عبدالمجيد وشيرين غيث ومحمد صلاح العزب، وهجم علينا جنود الأمن فاستدار الجمع هاربين، فكنا فى الصف الأخير أمام العساكر مباشرة، كانوا أسرع منا، سبقنا إياد، فحصرنا 8 جنود، شكلوا نصف دائرة حولنا يغلقها حائط النفق، وفى الوسط شيرين ومواطن زميل لا نعرفه وأنا، حاولنا أنا والمواطن حماية المخرجة الشابة بأجسادنا كنوع من الشهامة التى كانت نتيجتها كدمات متفرقة بجسدى وجروح متفرقة فى وجه ورأس زميلنا المواطن وبعض الضربات فى جسد زميلتنا، ولم ينقذنا من وحشية العساكر سوى جرى ضابطهم تجاهنا وصراخه عليهم: بس، كفاية ضرب، وقف، كفاية.
خلصنا الضابط الشاب من أيديهم، وأمرنا بالتقدم بعيدا عن اتجاه سير المظاهرة.
فقدنا إياد عبدالمجيد الذى رجع إلينا بعد ساعة تقريبا مثخنا بالجراح مثلنا تماما.
04:00 و05:00 صباحا/ نفق شبرا كوبرى أكتوبر المهندسين شارع المبتديان - الهرم
وقفنا بأجسادنا أمام سيارة ملاكى على أول نفق شبرا، وقلنا لسائقها: «ودينا أى حتة بعيد عن هنا»، طمأننا الرجل وأخذنا فى طريقه، وسألنا ببراءة شديدة: هو فى إيه؟
أنزلنا الرجل على كوبرى أكتوبر، فركبنا «تاكسى» إلى المهندسين شارع البطل أحمد عبدالعزيز أسفل جريدة الشروق حيث كانت سيارة إياد، ركبناها ثم ذهبنا إلى المالكى بشارع جامعة الدول العربية، طلبنا 3 بليلة، واحد سادة واتنين بالمكسرات، أكلناها ونحن نضحك، ثم أوصلنا شيرين للمبتديان، وأوصلنى إياد إلى الهرم ليواصل طريقه إلى المعادى، واتفقنا على أن نتقابل غدا صباحا لمواصلة الثورة.
الأربعاء: 26 يناير/12:00 ظهرا/ مقر جريدة «اليوم السابع»
كل الأخبار تتحدث عن استنفار أمنى شديد فى كل الميادين، واعتقالات عشوائية فى المترو والتحرير والإسعاف ورمسيس، وكل قليل يأتينى تليفون: بلاش تنزل النهاردة، بيقبضوا على أى حد.
تقابلنا، إياد عبدالمجيد والكاتب والصحفى وجدى الكومى وأنا، عند التابعى الدمياطى، أكلنا ساندوتشات فول وطعمية بنية الاستقواء من أجل الثورة، وقررنا النزول إلى وسط البلد، ركبنا ميكروباص أبوالعلا/ إسعاف، وسألنا السائق: إيه الأخبار هناك، فقال: خربانة.
07:00 مساء/ بولاق أبوالعلا
بمجرد أن نزل الميكروباص من كوبرى 15 مايو قابلتنا مظاهرة كبيرة من شباب بولاق أبوالعلا ووكالة البلح، ظلوا يطاردون الأمن المركزى حتى حبسوهم داخل وزارة الخارجية، ووقف شاب يمسك ماسورة حديدة يصرخ: «أنا عاوز أضرب وزير الخارجية»، فحاولنا تهدئته فرفض وقال: «لازم أضرب... أمه».
طاردتنا مصفحات الداخلية حتى وصلنا إلى الرصيف المواجه للحزب الوطنى، فتحلق حولنا عشرة رجال مباحث بملابس مدنية ودفعونا بقسوة إلى الجانب الآخر من الطريق، فأخبرناهم بأننا صحفيون نمارس عملنا، فصرخ فينا أحد الضابط يبدو مجنونا: «مفيش حاجة اسمها صحفيين، إحنا دلوقتى منعرفش أى حد، وممكن نهين كرامة أى حد»، ثم اقتادنا للاعتقال، ثم أجرى اتصالا مع شخص ما، وقال له: اتنين من «اليوم السابع» وواحد من «الشروق».
ثم تركنا فجأة.
08:00 مساء/ ميدان التحرير
أوقفنا بعض ضباط أمن الدولة، وحاولوا إقناعنا بأن مبارك هو الأفضل لهذا الشعب، وأن المصريين مش لاقيين ياكلوا لكنهم ينفقون كل مرتباتهم على المحمول.
الخميس: 27 يناير/ كوستا كافيه جامعة الدول
اجتمعنا، مجموعة من الصحفيين والسينمائيين، للاتفاق على الجامع الذى سنصلى فيه جمعة الغد للانطلاق بعدها للثورة.
سمعنا بوجود مظاهرات أمام مسجد خاتم المرسلين فى العمرانية، فأسرعنا إلى هناك لكننا لم نجد شيئا، فافترقنا على أن نلتقى فى الغد أمام عصير فرغلى بالدقى خوفا من منع الأمن لنا من الدخول فلا يمكننا اللقاء مع قطع خطوط المحمول.
الجمعة: 28 يناير/12:00 ظهرا/ ميدان الدقى مطعم رضوان
تقابلنا فى المطعم، وخرجنا من أمام مسجد أسد بن الفرات، سرنا حتى سليمان جوهر، ثم دخلنا فيه لحث الناس فى البيوت على النزول نهتف: يا أهالينا انضموا لينا، وواحد اتنين الشعب المصرى فين، ممسكين فى أيدينا بكروت حمراء تعنى رغبتنا فى طرد النظام، ثم خرجنا إلى شارع وزارة الزراعة لننضم إلى آلاف المتظاهرين القادمين من مسجد مصطفى محمود، ثم عدنا إلى شارع التحرير مرة أخرى وسرنا فيه بأمان وسلمية حتى قرب ميدان الجلاء، لنفاجأ بحرب حقيقية من جانب الأمن ضد المتظاهرين، مئات القنابل المسيلة للدموع تنطلق بهيستيرية فى كل اتجاه، مما أثار الذعر فى وسط الآلاف الذين لم تكن تستطيع أن ترى آخرهم.
01:00 مساء/ ميدان الجلاء
قنابل الأمن العشوائية دخلت فى أكثر من عمارة وحرقت أكثر من شقة، حتى اشتبك المتظاهرون مع الشرطة بسبب العنف الزائد ضدهم، وفجأة احترقت سيارة أمن مركزى، وفجأة أيضا ركب قيادات الأمن إحدى المصفحات وهربوا بها فى اتجاه مديرية أمن الجيزة فى شارع مراد، تاركين 4 سيارات أمن مركزى، احتلها المتظاهرون، وواصلنا المسيرة باتجاه ميدان التحرير.
02:00 مساء/ ميدان مصطفى كامل كوبرى قصر النيل
الدماء تلون كل شىء، الآلاف على كوبرى قصر النيل الذى تقف الداخلية فى آخره، وكل قليل يخرج من الجمع اثنان أو ثلاثة يحملون شخصا تغطيه الدماء، وصل عدد الضحايا فى ربع ساعة تقريبا أكثر من خمسين، كان المواطنون يلقونهم فى سيارات الإسعاف فوق بعضهم، حتى وصلت حمولة بعض العربات إلى أكثر من 10 مصابين بإصابات خطيرة.
فى هذه اللحظة لم يكن معى أى شخص أعرفه، الجميع تاهوا منى فى الزحام، وأصابتنى الدماء بحالة خوف حقيقية، وقررت التراجع، سرت راجعا من ميدان مصطفى كامل حتى ميدان الجلاء وسط العشرات بعد أن قطعته وسط عشرات الآلاف، وأنا أشعر بأننى جبان، ويتردد فى ذهنى تعبير: الفرار يوم الزحف، كنت فى حالة نفسية سيئة، حتى عدت إلى ميدان الجلاء فوجدت الآلاف هناك، جلست فى وسطهم منهكا، وقابلت بعض الأصدقاء، وأخبرتهم بأننى كنت على قصر النيل ورجعت، وحين لم يتهمونى بشىء، شعرت بأننى أفضل، وظللت أهتف مع الهاتفين، وبعدها انخرطت معهم، ورجعت إلى كوبرى قصر النيل وسط الآلاف مرة أخرى، وتسارعت الأحداث، وانتصرت إرادة الجماهير بهروب الأمن المركزى تماما، ونزول عشرات الآلاف فى ميدان التحرير.
09:00 ميدان التحرير
نزل الجيش، وفرحت به الجماهير، وكنت قد أنهكت تماما، وشعرت بدوار وتعب، فوجدت مواطنا زميلا يركب «موتوسيكل»، فأوقفته، وقلت له: «خدنى معاك أى حتة»، فقال لى: «أنا رايح الشغل فى عابدين، إنت رايح فين»؟ فقلت له: «الهرم»، فقال: «طب ممكن اعديك كوبرى أكتوبر، وأنزلك فى الدقى»، فقلت له: «يبقى ألف شكر ليك».
وانطلقنا.
ضربات الأمن العنيفة لم تمنع المتظاهرين من التعبير عن مطالبهم
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة