كان صوت عبد الحليم حافظ حاضرا.. صوته "يجلجل" فى ميدان التحرير.. بكلمات عمنا صلاح جاهين.. صورة.. صورة.. كلنا كده عايزين صورة.. ويا زمان صورنا.. إلى جواره يأتى إليك صوت وردة.. حلوة بلادى السمرا.. بلادى الحرة.. قبل أن يأتى إليك صوت شادية.. يا حبيبتى يا مصر.. إلى جوارهم جميعا.. يظهر صوت الرائع الراحل محمد حمام.. يا بيوت السويس يا بيوت مدينتى.. استشهد أنا وتعيشى انت.. ويصفق الجميع ويغنى.. هنا ميدان التحرير.. هنا كرنفال سياسى لا مثيل له.. شباب وفتيات وشيوخ وسيدات مصريون لديهم إصرار وقوة وثبات وثقة وحب.. يسقط هاتفك المحمول وسط الزحام.. تجد عشرات يبحثون عنه ويقولون لك: "اتفضل".. آخر بجوارك يريد أن ينهض.. يجد أياد تمتد له وتساعده: "قوم يا مصرى".. عندما تدخل أم وخلفها 3 من بناتها.. تجد شبابا ينادى:"وسعوا يا اخوانا".. وتجد طريقا يفتح بـ"سحر" وسط الزحام.. لا تجاوز ولا تحرش ولا أى شئ مخل.
كنت هناك اكثر من 3 ساعات عقب صلاة الجمعة.. الطريق إلى هناك منظم.. يقف رجال الجيش على رأس كمائن تشكل دائرة على الميدان.. ليس على الميدان مباشرة.. لكنها على بعد قرابة 400 أو 500 متر أو أكثر.. تبرز بطاقتك الشخصية.. وترفع يديك إلى أعلى وأنت تبتسم ليفتشك أحدهم بأدب وذوق وهدوء.. ثم كلمة: "اتفضل".. تنطلق وحولك عشرات إلى الميدان تجد شبابا مصريا يكون صفوفا بالعرض.. ويعاود النظر إلى بطاقتك ويفتشك دون أن تشعر بـ"لحظة ضيق".. ويقولون لك: "حمد الله على السلامة".
تدخل هناك.. وتقف بين الصفوف.. لن تهتف مباشرة تحت أى ظرف.. لكن ستقف دقائق ربما تصل إلى حاجز الـ 15 دقيقة.. وبعدها "أتوماتيك".. ستقول مع الشباب.. وفى صوت واحد: "زكريا عزمى.. باطل.. فتحى سرور.. باطل.. أحمد عز باطل وحبيب العادلى باطل.. والقائمة لا تتوقف عند أحد وتصل إلى الرئيس وجمال".. شىء غريب يدفعك أن تهتف ويخرج الصوت من الأعماق وأنت ترفع يدك اليمنى أو اليسرى وتقول:"إيد واحدة.. إيد واحدة.. إيد واحدة.. سلمية.. سلمية"
ميدان التحرير اليوم كان "مشرفا و رائعا وجميلا".. تشعر أن مصر كلها هناك.. مصر هناك دون صفعة قلم واحدة.. مصر هناك دون حجر واحد.. هناك دون "شومة" أو خرطوم مياه.. دون رصاصة أو قنبلة مسيلة للدموع.. أو دهس تحت مدرعة.. أو طعنة سنجة أو مطواة.. كانت مصر: "حلوة.. بهية.. جميلة".. تشعر أن قلبك يتنفس وكأنه لأول مرة.. هذا هواء جديد.. وروح لم تكن موجودة.. أو كانت "مكبوتة" وها هى خرجت ولن تعود إلى حيث كانت.
كنت هناك وعدت إلى عملى وأنا متأكد أن أى شخص سيدخل ميدان التحرير فى هذه الظروف ويقف إلى جوار مصريين هناك سيهتف ويقول كل شىء.. كنت هناك.. لكن الحياة لابد أن تستمر.. لا أطلب من أحد أن يتراجع عن موقفه أو يترك مكانه أو يبقى أو يرحل.. كما أنتم أيها الشرفاء الأنقياء.. كما أنتم يا شباب مصر.. مصر الحلوة.. لن أقول: "ابقوا أو ارحلوا".. كثير من المكاسب تحققت وفى أيام قليلة.. وأصبحت الحكومة تستجيب لمطالب وطنية لطالما نادينا بها.. تستجيب لتلاحق "سرعة شباب" يقف بقوة وثبات وحب فى الميدان.. قال رئيس الوزراء.. لا عنف فى ميدان التحرير ومر اليوم "ممتعا".. الوعود تتحقق وسوف تتحقق سواء بـ"رضا الحكومة" أو "رغمًا عنها".. طالما ميدان التحرير موجود هناك ولم يتحول إلى "ترعة".. زى ترعة السلام.. ستتحقق المكاسب.. لكن الله وهو يقول للشىء "كن فيكون" _ وأنا لست شيخا _ خلق الدنيا فى 6 أيام وكان يمكنه أن يفعلها بين "الكاف والنون" لكنها حكمته.
ابقوا يا شباب مكانكم أو ارحلوا.. وعلى الحكومة والجيش أن تؤمنكم إن بقيتم كما حدث اليوم.. على أن تدور "ماكينة الحياة " من جديد.. وتفتح المصالح أبوابها.. وتستقبل البنوك روادها.. ويعود الأطباء إلى مستشفياتهم.. والعمال إلى مصانعهم.. والتلاميذ إلى مدارسهم والطلبة إلى جامعاتهم.. كل يؤدى عمله بروح جديدة.. روح صنعها الشباب وسطرها فى 10 أيام ولن يغيرها أحد أو قوة مهما كانت.. على الحكومة أن تصنع دائرة حول ميدان التحرير.. دائرة.. مؤمنة.. لا يتسلل إليها "جمل الوطنى" أو حصانه.. ولا أفراد منه.. لا يتسلل إليها أفراد مسلحون ولا مؤيدون.. من "يريد" أن يؤيد الرئيس فعليه أن يهتف ويقف فى مصطفى محمود أو الكوربة.. أو أى مكان فى مصر.. مثل المشهد الحضارى الذى حدث يوم الأربعاء قبل لحظات من "موقعة الجمل" والتى أعادت الأمور إلى "المربع صفر".. من يريد أن يهتف هنا أو هناك فأهلا به.
شريطة أن تعود الحياة إلى طبيعتها.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة