لم يبدأ شعورنا بالغضب منذ بداية أحداث الخامس والعشرين من يناير فقط ولكنه بدأ من قبل ذلك بكثير، بدأ الشعور بالغضب منذ حدث التزاوج بين رأس المال والسلطة, منذ تحكمت فينا الأهواء والمصالح الشخصية, منذ فصلت القوانين لحماية أصحاب المصالح والأجندات الخاصة, منذ بات الأمن عكازا لأصحاب السلطة والمال, منذ زيفت إرادة الشعب فى انتخابات برلمانية هى الأسوأ فى تاريخ مصر, منذ انتهكت الحريات وكممت الأفواه, منذ أصبح الإعلام موجها لخدمة السلطة وأصحاب الأموال, منذ أرغم الشرفاء من أصحاب الكلمة والرأى الحر على ترك مواقعهم, منذ خرج المئات معتصمين ومحتجين فى أكثر من ألفى وقفة احتجاجية فى عام واحد, منذ بحت أصواتنا من الصراخ وما من مجيب من حكومة صماء عمياء لم تكن ترى ولا تسمع حكومة كانت لا تغير ولا تتغير, منذ زاد الفارق بين الطبقات وهددت الطبقة المتوسطة بالانقراض وصار الشعب إما غنى جدا ممن يكنزون المليارات وإما معدم لا يكاد يجد قوت يومه, منذ عانينا جميعا من مشكلات كالبطالة والعنوسة وعدم إتاحة الفرص, منذ انتابنا شعورا جازماً باليأس والاكتئاب, منذ لجأ البعض للانتحار, منذ تدافع الشباب نحو هجرة غير شرعية بحثا عن لقمة العيش, منذ صار الفساد أسلوب حياة.
ولكن يوم الخامس والعشرين من يناير كان البداية، وكان الشرارة الأولى التى أخرجت ما كان يكمن فى صدورنا جميعا من غضب بات يحرق صدورنا سنوات وسنوات إلى أن جاء شباب مصر الشجعان الذين خرجوا فى مظاهرات سلمية ينادون بالحق فى الحياة، وينادون بالعدالة الاجتماعية، وينادون بالإصلاح السياسى والاقتصادى وينادون بالتغيير.
ومن منا لم يحلم بالتغيير من منا يستطيع أن ينكر على هؤلاء الشباب حقهم فى العيش والحياة الكريمة على أرض وطنهم من منا لم يحلم طويلا بما طالبوا به ولكن الفرق أنهم صمدوا أنهم قالوا لا بشجاعة وصمود أنهم عبروا عن رغبة كانت كامنة فى صدورنا.
وتوالت الأحداث بحلوها ومرها وتوالت الأحداث بسرعة كالبرق توالت الأحداث فى مشاهد لا يصدقها العقل وكأننا نحلم أو نشاهد فيلما, شباب مسالم يطالب بحقه فتفتح عليهم خراطيم المياة الكبريتية ويقذفون بالقنابل المسيلة للدموع ويضربون بطلقات من الرصاص المطاطى ويتعرضون للضرب المبرح بالعصى من قبل جهاز الشرطة, ثم تنسحب الشرطة فى مشهد هو الأغرب فى تاريخها سواء لتنفيذ أمر أو لتعب أو فشل فى احتواء الأمر، سواء لتنفيذ مؤامرة داخلية كانت أم خارجية ليس هو، المهم بل النتيجة هى الأهم حوادث سرقة ونهب وتخريب للمصالح العامة والخاصة ثم ظهور لرجال القوات المسلحة الذين يحترمهم الشعب كثيرا ويثق فيهم ثقة غالية، ثم بسالة من شباب مصر ورجالها وهم يقفون ليل نهار يحمون أنفسهم وعائلاتهم ويحمون المنشآت، ويحمون الأموال والأملاك والأعراض فى مشهد حضارى سيذكره التاريخ كعلامة بارزة على المعدن الأصيل للشعب المصرى الذى لم ولن يتغير على مر العصور.
وعلى الرغم من البطء الشديد فى رد الفعل من المسئولين ورجال السلطة الذين غيبوا تماما عن المشهد إلا أن الرئيس مبارك قد بدأ فى تنفيذ مطالب الشباب وعلى الرغم من طاقة الغضب التى تملكت الجميع والتى أشعلتها دماء الشهداء وجراح المصابين إلا أن خطاب الرئيس مبارك الأخير قد هدأ من الأمور كثيرا حيث كسب قلوب وتعاطف الكثيرين وأشعرنا بكلماته القليلة التى خاطبنا بها بأننا قد أخطأنا فى حقه حينما تناسينا الإنجازات الكثيرة التى قام بها ولم نتذكر إلا الأخطاء الأخيرة التى وقعت فيها مصر بسبب بعض السياسات والممارسات الخاطئة التى أدت إلى كل هذه الأحداث.
وشعرنا أننا على أعتاب إيجاد حل لهذه الأزمة، وانتابنا جميعا شعور هو مزيج من السعادة الممزوجة بالأسى والخوف والقلق والترقب إلى أن حدثت الأحداث المؤسفة الأخيرة الأحداث المشينة التى تسببت فى سيل جديد من الدماء.
أحداث تسبب فيها أناس غير مسئولين، أناس لا يهمهم لا أمن ولا سلامة البلاد ولكن كل همهم هو حماية مصالحهم الخاصة هو أن تمتلئ كروشهم أكثر وأكثر على حساب دماء الشعب المسالم، وأى كان المتسبب فى هذه الأحداث وأى كانت أغراضهم فهم يستحقون الحساب والعقاب, كانوا يظنون أنهم بأعمالهم المشينة هذه يحافظون على النظام ولكنهم بفعلتهم الغبية تلك كانوا كالدبة التى قتلت صاحبها.
ولذلك أتمنى أن يعى شبابنا الشرفاء هذا الدرس جيدا وأن يحافظوا على ثورتهم شريفة بيضاء طاهرة كما بدأت وألا يسمحوا لأى أحد أى كان أن يسرق حلمهم وأن يسرق نجاحهم وألا ينزلقوا خلف أى أجندات خارجية كانت أو داخلية إنما عليهم أن يفرحوا بما حققوه من مكاسب وأن يفخروا بما حققوه لمصر وأن يضعوا مصر ومصلحة مصر نصب أعينهم وألا يتمادوا فى أحداث قد تسبب مزيدا من الدماء وحتى لا يكونوا كتلك الدبة التى قتلت صاحبها أناشدهم وأرجوهم أن يغتنموا المكاسب التى حققوها وأن يفسحوا الطريق لعودة الحياة إلى هذا الوطن الغالى وأن يعطوا الفرصة للوجوه الجديدة التى استبشرنا بها الخير وشعرنا منها بالجدية الفريق شفيق والسيد سليمان كى يحققوا ما وعدوا به وليكن ضمانكم الوحيد هو أنتم أيها الشباب وقدرتكم وطموحكم وأملكم, انتظروا قليلا حتى تتحقق مطالبكم، وإن لم تجدوا خطوات عملية نحو تحقيقها فميدان التحرير ليس منكم بالبعيد.
عبير حجازى تكتب: حتى لا تصبحوا كالدبة التى قتلت صاحبها
الجمعة، 04 فبراير 2011 09:58 م