وضع اختيار عمر سليمان نائبا لرئيس الجمهورية، وكذلك اختيار أحمد شفيق رئيسا للوزراء حدا لتوقعات سابقة، بعضها يعود إلى سنوات خاصة فى موقع نائب رئيس الجمهورية، والذى كان موضع تساؤلات سابقة من الأحزاب والرأى العام تركزت فى، لماذا لا يقدم الرئيس مبارك على خطوة اختياره نائبا، ضمانا لعدم حدوث أى فراغ فى السلطة فى حالة غياب رئيس الجمهورية، ولم يتم الاكتفاء بطرح السؤال، وإنما كان يتم التوجه فى التوقع إلى شخصية اللواء عمر سليمان، لاعتبارات كثيرة، تعود إلى موقع الرجل كرئيس لجهاز المخابرات العامة، كما أن فى حوزته ملفات سياسية رئيسية تتعلق جميعها بالأمن القومى المصرى، وفى مقدمتها إدارة ملف القضية الفلسطينية سواء على صعيدها الداخلى فى العلاقة بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، بالإضافة إلى العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية، وبالتبعية علاقة مصر بهذا الملف عموما، بالإضافة إلى ذلك ظل ملف المياه فى حوزته أيضا، ومن هذه الخلفية كان اسم الرجل هو الأول فى أى اجتهاد خاص من جميع الدوائر بترشيحه نائبا للرئيس.
وعلى صعيد رئاسة الوزراء، ظل اسم أحمد شفيق هو أبرز الأسماء المطروحة على الساحة فى الفترات السابقة لشغل هذا المنصب لمجموعة اعتبارات أهمها حجم الإنجازات الهائلة له كوزير للطيران، والذى حول شركة مصر للطيران من شركة خاسرة إلى شركة حققت أرباحا كثيرة فى الفترة الماضية، وامتدت إنجازاته إلى صروح هائلة لمطار القاهرة الدولى وضعه فى مرتبة المطارات المتقدمة فى العالم.
الخلفية السابقة تقودنا إلى أن اختيار الرجلين لم يكن مفاجئا، ولم يكن بعيدا عن التوقعات، لكن يظل السؤال: كيف تم هذا الاختيار؟، وكيف تولد فى الظروف الصعبة التى عاشتها مصر منذ اندلاع الثورة الشعبية يوم 25 يناير؟
الساعات السابقة على صدور القرار حملت إرهاصات قوية له، وبالتحديد من رد الفعل الغاضب الذى تولد من كلمة الرئيس مبارك الساعة الثانية عشرة تقريبا صباح السبت الماضى، والتى أعلن فيها أنه طلب من حكومة الدكتور أحمد نظيف تقديم استقالتها، وتصورت دوائر صنع القرار أن هذا التوجه كفيل بامتصاص الغضب الشعبى، وأنه الخطوة التى تنتظرها الجماهير الغاضبة فى جميع محافظات مصر، لكن مع استمرار المظاهرات بنفس حدتها بعد خطاب مبارك، والتى تواصلت يوم السبت، رافعة شعارات رافضة لما ذكره الرئيس مبارك من إقالة الحكومة، جعلت الرئيس يسرع فى عقد اجتماعات مصغرة يوم السبت، وكان مطروحا فيها عدة أفكار رئيسية، تمثلت فى كيفية التعامل مع أكثر من رؤية، أبرزها حرق مقر الحزب الوطنى فى ميدان التحرير، وكذلك التقارير التى تم رفعها إلى هذا الاجتماع عن حرق مقرات أخرى للحزب فى المحافظات، وهو ما رآه الاجتماع تعبيرا عن احتقان كبير فى الشارع من الحزب، أشعلته أكثر الانتخابات البرلمانية السابقة، وما حدث فيها من تزوير فاضح، ساهم فى زيادة تراكم الغضب من الحزب، وبناء على ذلك تقررت إقالة المهندس أحمد عز، أمين تنظيم الحزب، والمسؤول الأول عن ملف الانتخابات الأخيرة، وطرح فى هذا الاجتماع أن هناك تحذيرات تم توجيهها لعز فى إدارته للانتخابات، لكنه لم يأخذ بها، بالإضافة إلى ممارسات الأمن فيها، والتى أغضبت الناخبين.
الاجتماعات التى توالت يوم السبت فى القصر الرئاسى توقعت أن يكون الإعلان عن إقالة المهندس أحمد عز وسيلة لتهدئة الجماهير الغاضبة، لكنها فوجئت بأن هذا لم يحدث معه الأثر المتوقع، وأن المتظاهرين يزدادون فى محافظات مصر المختلفة، ويرتفع سقف مطالبهم، وتزامن مع ذلك تلقت المجموعة الصغيرة التى أدارت ملف الأزمة منذ يوم الجمعة تحديدا، وتواصلت اجتماعاتها فى القصر الرئاسى، ردود الفعل الدولية خاصة من الإدارة الأمريكية بدرجة رئيسية، والاتحاد الأوربى بدرجة أقل، وشمل ذلك اتصالات حدثت مع الإدارة الأمريكية بطريقة وبأخرى، شملت رؤية متبادلة حول الترتيبات الواجب اتخاذها من أجل الجمع بين جانبين هامين، هما تلبية مطالب الجماهير الغاضبة، وفى نفس الوقت التعامل مع إعادة ترتيب درجات هرم السلطة، وفقا لرؤية قد تبدو حيوية، وقد تشعر معها الجماهير الغاضبة أن هناك تغييرا جوهريا فى طريقه للحدوث، وبناء على ذلك تم على طاولة الاجتماعات طرح رؤية تتمثل فى تعيين نائب لرئيس الجمهورية، وذهب التفكير على الفور إلى أن يكون هذا الشخص من المؤسسة العسكرية، وذلك تماشيا مع التقاليد التى بدأت منذ ثورة يوليو عام 1952، ومن هنا كان عمر سليمان هو الشخص المناسب، فبالإضافة إلى أن الملفات الأمنية الرئيسية ظلت بحوزته منذ سنوات طويلة، وأصبح خبيرا بإدارتها، من خلال معرفته بدقائقها، وبشخوصها لدى الأطراف الإقليمية المعنية، هو أيضا ابن المؤسسة العسكرية، وبالرغم من عدم الإفصاح صراحة عن دلالة هذه الخطوة، فإن تقديرات الأطراف التى تدير ملف الأزمة، ذهبت إلى أن الإقدام على هذه الخطوة، سيعنى بعث رسالة واضحة إلى كل الأطراف السياسية اللاعبة على الساحة، وكذلك الجماهير الغاضبة بأن ملف التوريث الذى شغل الكل فى السنوات السابقة قد تم إغلاقه إلى الأبد، وبالتالى فإن هذا قد يؤدى إلى رضا شعبى يتبعه صرف الجماهير عن الاستمرار فى المظاهرات.
وتوصل الاجتماع مع إعلان الرئيس مبارك تعيين نائب له هو عمر سليمان، إلى أن يشمل أيضا الإعلان عن اسم رئيس الوزراء، خاصة بعد أن ترددت شائعات عن أنه لم يتم التوصل إلى الشخصية التى ستشغل المنصب، وجاء اسم أحمد شفيق، ولم يكن مفاجئا لأكثر من سبب، أولها حجم إنجازاته فى الفترة الماضية، كما أنه أيضا من المؤسسة العسكرية، وإن كان قد ابتعد عنها منذ فترة طويلة، لكنه يحسب عليها.
الإعلان عن عمر سليمان نائبا للرئيس، وأحمد شفيق رئيسا للحكومة، وبعد قسمهما اليمين أمام الرئيس، تلته خطوات أخرى تتم إدارتها بسرية تامة، تتمثل فى اختيار طاقم الحكومة الجديدة، وتتم هذه المرة بعيدا عن أعين المراقبين ودوائر الإعلام، عكس ما كان يفعله رئيس الوزراء السابق أحمد نظيف الذى كان يفضل أن يتابع مثل هذه المشاورات فى القرية الذكية، ووفقا لتأكيدات كثيرة، فإن عمر سليمان يتابع تفاصيل الاختيار مع أحمد شفيق، ويتم ذلك بسرية بالغة، لكن وفقا لرؤى متعددة فإن التروى فى اختيار الوزراء يأتى من أجل أن تحظى برضا شعبى، يقوم على العمل وفقا لأجندة محددة، هى إدارة انتخابات برلمانية متوقعة بنزاهة تضمن مشاركة أوسع، وتقضى على الآثار السيئة التى حملتها الانتخابات الأخيرة، ولم يكن إعلان الدكتور أحمد فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب، عن تنازل المجلس لمبدأ سيد قراره، وبالتالى تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضده المسمار الأول فى إبطاله، بالإضافة إلى ذلك أجندة اقتصادية أخرى تتمثل فى محاربة الغلاء، والسير على نهج يعالج قضية البطالة، ووفقا لهذه التقديرات فإن الحكومة المقبلة لن تكون فيها أسماء من تلك التى فشلت فى معالجة الملفات السابقة سواء كانت الانتخابات أو عموم القضايا الاقتصادية، ويدخل فى هذا النطاق أيضا توقعات كبيرة بفتح ملفات للفساد كتلبية لمطالب الذين خرجوا فى المظاهرات يوم 25 يناير.
تفاصيل اختيار عمر سليمان نائباً للرئيس وأحمد شفيق رئيساً للوزراء
رجلان يبنيان مصر من جديد
الجمعة، 04 فبراير 2011 09:38 م
عمر سليمان وأحمد شفيق
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة