ها نحن «نتسلى ونلهو» ياسيادة الرئيس كما أمرتنا، أو على وجه الدقة كما سخرت من غضبتنا فى خطبتك البرلمانية، بعد أن أطلقت يد حزبك فى تزوير الانتخابات، ونشر الفساد، وإعلاء شأن البلطجة فوق القانون.. ها نحن «نتسلى»، وتسالينا قلبت بثورة لن تخمد إلا بعد أن تخلع هذا النظام السياسى من جذوره.
ها نحن «نتسلى ونلهو» بنظامك يا سيادة الرئيس، وفى طريقنا لأن نجعلك تحصل على لقب أول رئيس مصرى سابق ومخلوع بإرادة شعبية حقيقية لا زيف فيها ولا تزوير.
ها نحن «نتسلى» بهزيمة قوات قمعك، وفرض كلمتنا وسيطرتنا على البلد الذى أوهمتمونا لسنوات أنه ملككم الخاص، وأن كل شبر فيه يقع تحت سيطرة عيونكم البصاصة وأجهزتكم الأمنية التى لا تقهر.
ها نحن «نتسلى ونلهو» لدرجة أن لهونا أصاب نظامكم السياسى بالذعر والفزع و«الخضة» والحسرة وأجلس رجالك فى جحورهم وفيلاتهم حائرين فى مصائرهم وفاقدين لأى قدرة على التعبير أو الكلام. ها نحن «نتسلى ونلهو»، ولم تتحمل أجهزتك الأمنية لهونا السلمى البرىء أكثر من 48 ساعة، وفرت كما يفر الفئران من عصا السكان الغاضبين. ها نحن أبناء شعب مصر برجاله ونسائه، أغنيائه وفقرائه، شيوخه وشبابه، مسيحييه ومسلميه، خرجنا إلى الشوراع «نتسلى» بهتافات تطالب بسقوط النظام ورحيل الفاسدين، ولم يتحمل نظامك السياسى 48 ساعة مقسمة على يومى 25و28 يناير بينهما يومان راحة والتقاط أنفاس، ربما كانت فرصة منا لمراجعة أنفسكم لم تفهموها ولم تستغلوها.
ها نحن أبناء شعب مصر نتسلى باتهامات وسائل إعلامك الفارغة بأننا مخربون ولصوص وجياع، وفى نفس الوقت نشكل دروعا بشرية لحماية متحفنا المصرى، وممتلكاتنا العامة والخاصة من رجال وزارة داخليتك وبطلجيتهم الذين كشفوا عن وجوههم الحقيقية وبدأوا فى تخريب البلد، وتنظيم عمليات سرقة وحرق ممنهجة كشفها رجال الجيش وشباب مصر، حينما قبضوا على عدد من الضباط وأمناء الشرطة وهم يسرقون تاريخ البلد من المتحف المصرى. ها نحن أبناء مصر المحروسة نكشف نظامك على حقيقته فى 48 ساعة، فهل اكتشفت أنت حقيقتنا بعد 30 سنة من تكميم الأفواه والحريات؟
فى 48 ساعة تظاهر خلالها مئات الألوف فى القاهرة والإسكندرية والسويس والمنيا ودمياط والشرقية والإسماعيلية، وباقى محافظات مصر اكتشفنا أن الدعاية الخبيثة ووسائل الإعلام الموالسة والحبوب نافخة العضلات هى التى صورت لنا نظام مبارك على أنه قوى لا يقهر، جبار لا يسقط، دائم لا يرحل، خالد لا تجرؤ ملائكة الموت على الاقتراب من روحه.
هى إذن حقن «البوتكس» وعمليات الشفط والشد التى جعلت ذلك النظام يبدو شابا، وأخفت معالم الشيخوخة التى تنضح بها كل مؤسساته، وأزالت بعض من ملامح العجز وقلة الحيلة التى بدت واضحة للعميان قبل أصحاب البصر نهار وليلة 25 و28 يناير.
48 ساعة فقط كشفت المستور وعرت كل ما هو متغط، وأزالت كل مساحيق التجميل عن الوجوه الضعيفة والمرهقة والقبيحة، وأزالت تأثير هرومونات النفخ السياسى والأمنى التى كانوا يتعاطونها طوال السنوات الماضية لتصدر صورة النظام الشاب الذى يستحق البقاء لمدد زمنية أخرى دون أن يقول له أحد كفاية أو حتى حرام.
48 ساعة فقط ارتبكت فيها دولة مبارك وارتعدت فيها المؤسسات واختفى خلالها الوزراء والمسؤولون عن الأنظار ولم يجرؤ أحدهم على مواجهة الغاضبين فى الشوارع، كشفت عن رعب حقيقى يعيشه أهل السلطة فى مصر، ربما لأنهم لم يتوقعوا يوما أن يخرج الغضب الكامن فى صدور المصريين إلى الشارع، أو لأنهم تخيلوا أن محاولات إخصاء الشباب وحركات المعارضة والأحزاب التى بذلوا جهدا فى إتمامها خلال السنوات الماضية ستحميهم من غضبة جماعية لا طاقة لهم بها.
الدرس الأول: لا تتكبر أبداًعلى شعبك!
سمها ماشئت ثورة «الخل» نسبة إلى زجاجات الخل التى تصدرت المشهد لإنقاذ المتظاهرين من قنابل الشرطة المسيلة للدموع، أو ثورة الغضب، أو ثورة الأمل، أو ثورة الشباب، ولكن لا تنْسَق أبدا خلف المسميات التليفزيونية الخبيثة وتسمّها ثورة الجياع، إلا إذا كنت تقصد الجياع إلى الحرية لا الأكل والشراب، سمها بما شئت ولكن على يقين بأنها ثورة مباركة لأنها خرجت من صدور الناس بنوايا خالصة، واحفظ فى ذاكرتك أهم دروسها لكى تلقنه لأبنائك وأحفادك ألا وهو درس الاستعلاء والتجبر.
قل لهم إن النظام السياسى- أى نظام- مهما تجبر وطغى ومهما زينت صور رئيسه الميادين وسيطرت وسائل إعلامه على العقول، سيأتى يوم ويشهد الناس سقوطه، خاصة حينما يؤمن رئيسه ورجاله أن «مناخيرهم» أعلى من الناس، إن الناس طالبوهم وتوسلوا إليهم لتحقيق المطالب استمروا فى طغيانهم، وإن هتف الناس ضدهم وشتموهم.. «صدروا لهم الطرشة» وردوا على هتافهم ومطالبهم بصمت يغلّفه الكثير من الاستعلاء.
ضغط أهل السلطة على الناس فى الشوارع وحاربوهم فى قوتهم وحريتهم ومستقبل أولادهم، لم يحترم الرئيس ورجاله رغبات أهل الوطن فى التغيير أو على الأقل اختيار مسؤولين ووزراء يحترمون كرامتهم وأحلامهم بدلا من إهانتها بالتصريحات الساذجة أو الشتائم المبطنة مثلما يفعل العادلى وعز وزكى بدر وغيرهم.
كان الاستعلاء هو شعار الدولة فى مواجهة هؤلاء الغلابة والمطحونين، كلما انتفض الناس واشتكوا من قلة الأجور وارتفاع الأسعار يخرج كل مسؤول ويرفع مناخيره لأعلى ويقول للناس احمدوا ربنا إن مصر فيها طرق وصرف صحى وكبارى، وكأن الدولة تتفضل علينا بأكذوبة البنية التحتية التى تنهار بعد شهر من افتتاحها ومحور صفط بل طريق محور يوليو نفسه خير شاهد على ذلك. كلما شكا الناس فى مصر يرد عليهم الرئيس ورجاله بصور للضربة الجوية وأوبريت عن المستقبل الملون وصور لمستشفيات جميلة فى عدسة الكاميرا ولكنها بلا أسرة ولا تقبل إلا من يدفع كاش، والموت إهمالا داخلها أكثر من الموت القادم على يد عزرائيل، كلما شكا الناس يفعلون ذلك ويأتون بصور مصر منذ 30 سنة ويقولون انظروا كيف كانت البلد وكيف خلقها مبارك من جديد؟ ويعددون الكبارى والطرق ومواسير الصرف الصحى وكأنهم يعايرون مصر بما هو واجب عليهم فعله، ولم يفعلوا منه سوى القليل أو أقل القليل إن شئنا الدقة.
الاستعلاء هو سر الغضب الأكبر فالمصريون دوما لا يحبون الحكومات التى لا تحترم كرامتهم، أو تدوس على عزة أنفسهم، ولا يحبون الحكام الذين يتعاملون معهم بمنطق «اخبطوا دماغكم فى الحيط» فلن أخرج لأجيبكم أو أرد على مطالبكم إلا حينما أريد أنا ذلك، مثلما فعل الرئيس ورجاله ووزراؤه فى 25 يناير والأيام التالية له خصوصا يوم جمعة الغضب الذى اشتعلت فيه مصر، ومع ذلك لم يخرج الرئيس إلا فى منتصف ليله بعد أن ضاعت كل فرص التهدئة ويا ليته ماخرج لأنه بدا كأنه لم يعِ ما يحدث فى الشارع فألقى على الناس خطابا اعتادوا أن يسمعوه فى عيد العمال والأعياد التى تماثله، مكتفيا بإقالة الحكومة دون أن يجيب عن بقية مطالب الإصلاح، ودون أن يخبر الناس كيف أنه يعى مطالبهم ويؤسس لديمقراطية جديدة بينما لم يشغل باله بإعادة الإنترنت وإشارات الاتصال للهواتف المحمولة.
هذه هى خطيئة النظام الكبرى، لم يفهم أهل المحروسة ولم يكلف نفسه عناء الرد أو حتى الاستجابة إلى بعض من رغبات الناس، بل على العكس تماما أخفوا خوفهم واستعلاءهم خلف اتهامات التخريب والشباب المضحوك عليه، وتلك الأسطوانة المشروخة التى لم يعد أحد يصدقها.
الدرس الثانى: علّق آمالك على البسطاء واسحب احترامك لقيادات المعارضة!
من لم ينزل إلى الشارع فى 25 يناير أو فى جمعة الغضب، من لم يشاهد الهتافات الخارجة من القلب بانتظام وهى تطالب برحيل النظام والرئيس، من لم يحمل مصابا على كتفيه وتغرق ملابسه بدمائه، ومن لم تسقط بين رجليه قنبلة غاز مسيلة للدموع ويحملها بيديه ليعيدها إلى من ضربوها أو يلقيها بعيدا ويخرج مسرعا من سحابة دخانها ليجد البصل والخل فى انتظار من أياد لم يشهد وجه أصحابها من قبل، ومن لم تلسعه طلقات الخرطوش الصغيرة، أو تضربه عصا لجندى أمن مركزى، ومن لم يتحد عجزه وتدهور حالته الصحية ليكمل مشوار التظاهرة ضاربا المثل للشباب والكبار.. من لم يفعل أيا من هذه الأشياء من الأفضل ألا يتكلم عن تلك الثورة، أو يحكى عن بطولاتها وعظمتها أو يكتب تنظيرا أو تحليلا حول مستقبلها، ومن الأفضل ألا يحاول أن يركب موجتها ويتصدر مشهدها، لأن تلك الثورة ستلفظ كل من لم ينكوِ حتى آخر نفس بتعبها ورصاصها ودخان قنابلها.
هى فقط ثورة الشعب ولا دخل لأى حزب سياسى أو حركة سياسية أو أى مناضل سواء كان قديما أو جديدا بها، انظر كيف اشتعلت وستعرف الحقيقة وستعرف أن الشعب أقال فى ثورته هذا النظام والمعارضة معا.
كان الشباب والرجال والنساء أبناء المناطق الشعبية والراقية يتساقطون من بلكونات وشبابيك منزلهم كلها سمعوا نداء «ياأهالينا ضموا علينا» أو «انزل يامصرى»، كانوا يتساقطون بسرعة بلا تردد وبلا خوف ولا تفكير لدرجة تجعل المسيرة تنتهى فى آخر كل شارع بضعف حجمها، الأمر إذن لم يكن منظما والآلاف التى خرجت فى القاهرة وفى السويس والمحلة والإسكندرية ودمياط وسيناء لا يجلسون على الفيس بوك ولا يتبادلون رسائل المحمول ولم يجمعهم إخوان أو جمعية تغيير أو حزب سياسى أو جريدة معارضة، كما حاول بيان الداخلية أن يروّج، الآلاف الذين خرجوا جمعهم الغضب وضرب معهم نفاد الصبر موعدا، الآلاف الذين خرجوا لم يضحك عليهم حزب سياسى أو يتلاعب بعواطفهم بيان دينى من جماعة الإخوان، أو رسالة على تويتر من الدكتور البرادعى، الآلاف الذين خرجوا فى محافظات مصر المختلفة خرجوا لأن عرق الكرامة وجعهم وأخبرهم بأن الوقت قد حان ليقولوا للنظام الأعور أنت أعور فى عينه، وليس عبر أحاديث المقاهى أو حوارات الإنترنت. وحتى تكتمل الصورة أمام عينيك راجع أحداث المظاهرات بهدوء لتكتشف أن قيادات المعارضة وبعض النشطاء والمثقفين ظهروا فى 25 يناير واختفوا حينما ضرب الأمن قنابله بغزارة، بينما استمر الشباب الذى لا يعرف له أحد اسم يطارد الأمن فى الشوارع الخلفية على مدار يومين متتاليين حتى جاء موعد جمعة الغضب، وعادت بعض الأسماء الشهيرة للظهور مرة أخرى ولكنها اختفت مع أول قنبلة غاز وأول خرطوم مياه مثلما فعل الدكتور محمد البرادعى الذى لم يتحمل أن يدفع ثمن النضال والتغيير وسقط مع أول قنبلة غاز وخرطوم مياه، ولم يجد تبريرا سوى الادعاء بأن الأمن حدد إقامته غافلا أن البلد فى جمعة الغضب لم يكن به أجهزة أمن لكى تفعل ذلك، الدكتور البرادعى الذى ظل لمدة عام ونصف العام يخبرنا بأنه لايريد السلطة ثم عاد فجأة من الولايات المتحدة بعد بداية الثورة ليفاجئنا بأنه سيتنازل ويقبل بالرئاسة - لم يتحمل غاز القنابل وضربات الأمن بينما كان بجوارنا فى المظاهرات سيدات تعدى عمرهن الثمانين أصابتهن القنابل بضيق تنفس وأزمات قلبية، ومع ذلك رفضن الرحيل معلنات خوفهن من أن يؤثر رحيلهن على معنويات الشباب.
الثورة التى بدأت فى 25 يناير أرادها الله أن تكون خالصة للشعب فأشعل شرارتها فى نفوس الناس فى ظل غياب البرادعى وكفاية والإخوان والأحزاب والمثقفين والكتاب أصحاب الصوت العالى لتظل خالدة فى التاريخ لصالح البسطاء ولا أحد غيرهم.
الثورة التى بدأت فى 25 يناير واشتعلت وتوهجت فى «جمعة الغضب» قادها شباب العشرينيات والثلاثينيات الذين تمردت عيونهم على صور مبارك ورجاله وأرادت وجوها جديدة، وظلوا هم وحدهم فى الشارع طوال اليوم بليله يدافعون ويهاجمون ويستقبلون الجيش ويحمون المنشآت دون أن يظهر واحد من هؤلاء الذين قدموا أنفسهم طوال السنوات الماضية على أنهم معارضون أفذاذ، ليشد من أزر الشباب أو يوجه من ضل منهم عن سبيل الثورة، أو يشرح أو يفسر لمن تاهت منه الحقائق أو الأهداف.
الدرس الثالث: الحزب الذى يصنع البلطجية.. تحرقه البلطجية أيضاً
لا تصدق كل ماسمعته فى التليفزيون أو ماورد على لسان رجال الإعلام الحكومى، أو ما تناقلته الألسنة على سبيل الشائعات حول قيام المتظاهرين بأعمال تخريب والنهب والسرقة والحرق، لا تصدق أبدا أن هؤلاء الشرفاء الذين خرجوا ثأرا لكرامتهم قد تنزل أقدامهم إلى مستنقع السرقة والتخريب أو النهب، صدق فقط أن بعض الغاضبين لم ينجحوا فى السيطرة على الغضب المخزون من سنين فانطلق من صدورهم ليحرق أقسام الشرطة ومقار الحزب الوطنى فى المحافظات والمقر الرئيسى وينهب محتوياتها فى انتقام رمزى من الحزب الذى حطم أحلامهم وتاجر بآمالهم، ومن الرجل الذى اعتبر نفسه أقوى من الشعب، ذلك القصير الطماع أحمد عز، ومن وزارة الداخلية التى اعتاد ضباطها ألا يحترموا الشعب، واعتاد جلادوها أن يجعلوا من وسائل التعذيب أعمال فخر لا خزى وعار.حرق أقسام الشرطة ومقار الحزب الوطنى قد يبدو عملا تخريبيا ولكنه يبقى مجرد رد فعل لأفعال استفزازية يرتكبها الحزب وتصنعها وزارة الداخلية على مدار السنوات الطويلة الماضية، الأمر لا يتوقف فقط عند فعل الحرق ولكنه يمتد لفكرة الرمز واجب السقوط.. فالحزب والداخلية هما «باستيل» هذه الثورة الذى لابد أن يسقط.
الدرس الرابع: إذا أردت أن تعرف من ينهب البلد.. راجع قصة المتحف المصرى
فى حركة تعكس نوايا وزير الداخلية السابق حبيب العادلى وقيادات وزارته انسحبت قوات الأمن من أماكنها، واختفت وتلاشت وتبخرت وكأنهم لم يقفوا يوما أمام البنوك والمنشآت الحيوية، ترك العادلى البلد خاوية وأطلق العنان للبلطجية الذين استعان بهم هو وأحمد عز فى الانتخابات الأخيرة ليبثوا الرعب فى نفوس الناس بالسرقة والنهب والتخريب المنظم، ولأن عمليات السرقة والنهب كانت منظمة زيادة عن اللزوم فكان لابد أن يشك الجميع بأن وزارة الداخلية التى انهزمت أمام المواطنين تقف بشكل أو بآخر وراء هذه العمليات التخريبية، حتى جاءت حادثة المتحف المصرى، والتى كنت شاهد عيان على تفاصيلها لتكشف بما لايدع مجالا للشك أن رجال الداخلية هم الذين خططوا لعمليات السرقة بانسحابهم أو بقيام بعضهم بالنهب والسرقة بنفسه.
انسحب الأمن فجأة وترك ميدان التحرير خاليا أمام المتظاهرين الذين أدركوا بسرعة أن فى الميدان كيانا أثريا هاما اسمه المتحف المصرى لابد من حمايته، وقتها علت الأصوات لتطالب بحماية المتحف وسرعان ماشكلنا درعا بشريا على بوابات وأسوار المتحف لصد أى هجوم متوقع، ولم يكن أحد يتخيل أن تأتى الضربة من الداخل.. من رجال الشرطة الذين يحرسون المتحف.
فجأة صرخ أحدنا وأعلن أنه أمسك بشخص يخرج ببعض المسروقات من المتحف وبمحاصرته وسؤاله قال بزهو: «أنا أمين شرطة ومحدش يقدر يعمل لى حاجة».. وقتها رددنا فى نفس واحد «انتهى عصر هذه النغمة ياروح أمك»، وزاد الأمر من تماسك الدرع البشرى حتى جاء بعض رجال القوات المسلحة وكشفوا عن الجريمة كاملة أو الفضحية كاملة، والتى تتخلص فى القبض على عدد من ضباط الشرطة وأمناء الشرطة والعساكر يحاولون سرقة محتويات المتحف، ولما علت صيحات الاستهجان من الشباب، قام رجال الجيش بتفتيش الضباط والعساكر ذاتيا وأجلسوهم عرايا داخل حديقة المتحف ليقابلهم شباب بوابل من الشتائم والبصاق لا يستحقون أقل منه، وبعدها بساعات بدأ الأهالى يعلنون عن ضبط عدد من رجال الشرطة متورطين فى جرائم سرقة فى مناطق مختلفة ليتكشف للجميع أن المثل الشعبى الرائع «حاميها حراميها» يتجلى فى أبهى صوره على أيدى وزارة الداخلية.
الدرس الخامس: قانون الطوارئ لا ينقذ الطغاة.. والإعلام الجاهل لايفيد
إعلام جاهل متغطرس مضاف إليه نظام سياسى يتخيل أنه سيحمى نفسه بقوانين الطوارئ وليس بحب واحترام الشعب، تلك معادلة نتيجتها المنطقية انهيار نظام.
الرئيس مبارك اعتمد على تلك المعادلة وتخيل أن قانون الطوارئ سيبسط نفوذه وسيطرته على البلد دون أن يعى أو يفهم أنه لا شىء يمكن أن يفرض إرادته على الناس حينما تقرر أن تستعيد حقوقها، طغى النظام وتجبر وأصر على قانون الطوارئ، واستخدمت الداخلية تلك الرخصة وفسدت وأفسدت وأهانت كل صنوف البشر حتى أصبح فى داخل كل بيت مصرى مواطن له ثأر مع الداخلية وبالتالى مع النظام، فهل أدرك مبارك الآن أنه لا شىء يحمى من إرادة الشعب سواء كان طوارئ أو غيره؟ هل أدرك الرجل الآن أن العدل فقط هو الذى يضمن البقاء ولا شىء غيره؟ وهل أدرك مع ذلك أن الإعلام الكذاب لا ينجى صاحبه فى يوم الحساب؟ هل أدرك أن الإعلام الذى تقوم دعائمه على الولاء والإخلاص والنفاق لا ينقذ صاحبه فى لحظات الحقيقة لأنه أعجز من أن يواجهها أو حتى يجملها؟.. أعتقد أنه أدرك وأعتقد أنه سيجلس ليقضى وقت تقاعده فى تأمل تلك الاكتشافات المتأخرة، ويندب حظه أنه لم يصدق يوما ما كان يقرؤه فى كتب التاريخ، وفى الصحف عن الحكام الذين سقطوا حينما تخيلوا أن قبضة أياديهم لا يمكن أن تنفلت أبدا لأنها فوق الجميع، ومن المؤكد أكثر وأكثر أن القادم بعده أيا كان لونه أو نوعه أو انتماؤه سيدرك الدرس جيدا وسيعى تماما أن مصيره مرتبط برضا الناس، إن هو عدل وأرضاهم هتفوا باسمه، وإن هو ظلم وطغى هتفوا لإسقاطه.. وهم قادرون على فعل ذلك، وعد إلى صور الثورة وانظر إلى كل هذا الوهج وكل هذا الحماس الذى بدا على ملامح الشباب فى القاهرة، وكل هذه الشجاعة وكل هذا التفانى الذى ظهر على الوجوه فى السويس والإسكندرية، وكل هذا الكوكتيل البشرى الذى نزل إلى الشوارع دون أى تحريض حزبى أو سياسى قادر على أن يحدث الفارق، قادر على أن يجبر تلك الأرجل المرتعشة على الرجوع والاستجابة حتى إن لم ينجح فى ترحيلها.
الرئيس سخر من النواب السابقين فى خطبة البرلمان وقال: «سيبوهم يتسلوا» والشعب لم يكذب خبراً واختار أن يتسلى بانتفاضة تاريخية
درس الشعب المصرى لحاكمـه: لا تتكبر أبداً على شعبك واختار أن يتسلى بانتفاضة تاريخية
الجمعة، 04 فبراير 2011 09:38 م
قنابلكم.. بالأقدام ندوسها
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة