أردت أن أحتفل بعيد ميلادى فى 29 يناير مع المتظاهرين الثوار بعد 24 عاماً من العزلة، لكن للأسف الاحتفال تحول إلى مأتم.. ربما لم أكن مخططا لذلك وأدرى أن الأمور ستدفعنى إلى النزول للشارع فى هذا التوقيت وسط موجة احتجاج مصرية عالية، كما لم يكن فى الحسبان أن يتحول الأمر لما حدث، درسنا وسمعنا أن للشعب حق التظاهر السلمى، طالما لا يخرجون عن الشرعية، فهو حق كفله الدستور والقانون ومن قبلهما المواثيق الدولية.. حتى هنا الأمور تسير منطقية وطبيعية حتى صلاة «جمعة العيد» (عيد ميلادى وميلاد غضب المصريين).. مسجد الفتح هو قبلتى فى العمل الصحفى وقبلة مصلين آخرين.. صلينا فى شارع رمسيس من كثرة الزحام.. حتى فرغنا من الصلاة.. حتى ألهب النائب سعد عبود عضو مجلس الشعب السابق مشاعر المصلين أو قل المحتجين بثلاث جمل مكررة: «الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر».
وقتها لم يدر المتظاهرون ولا أنا بأنفسنا سوى ونحن نردد ونهتف خلفه.. وبدأنا نخرج من ساحة المسجد ونتجمع أمامه فى شارع رمسيس، لكن أجهزة الأمن «كردتنا» وفرضت سياجاً أمنياً حول الشارع بأكمله وقطعت الكهرباء عن المسجد وحاصرته بالكامل، لم يلتفت الكل إلى ذلك واستمر الجميع فى الهتاف ومحاولة الوصول إلى التحرير للتضامن مع زملائنا، هنا بدأت أجهزة الأمن فى إلقاء القنابل المسيلة للدموع على المصلين وداخل المسجد. الجميع صمت من هول الصدمة، للدرجة التى جعلت مراسلة الـB.B.C، القادمة من بريطانيا خصيصاً لتغطية هذه الأحداث، تندهش مما يحدث.. الأهالى والمتظاهرون يحملونها لإدخالها المسجد لإسعافها بـ«البصل والخل» من القنابل، والأمن لا يتهاون فى إطلاق الرصاص عليها، فنطقت بالعربية «شكراً لكم».. لحظات والأمور بدأت فى الهدوء بعض الشىء، وجدت على الناحية الأخرى بالتقاطع مع شارع رمسيس، ضباط شرطة بجوارهم مجموعة من «البلطجية» وأمناء الشرطة والمسجلين خطر ممسكين بالسيوف والأسلحة البيضاء يستعدون لاقتحام المظاهرة وضرب المحتجين، أنا أيضاً صعقت من المشهد، رغم توقعى لذلك، لكن التوقع غير الواقع، ورغم ذلك دخلت فى المظاهرة، حتى وصلت إلى الإسعاف، وحال الأمن بين وصولها للتحرير، عن طريق القنابل المسيلة للدموع، فهربنا إلى منطقة بولاق أبوالعلا، التى نجح رجالها فى الصمود وأمدونا بالمياه والبصل والكمامات ودعونا إلى الدخول فى منازلهم، سيدات مسنات ورجال كبار لا يعرفون شيئاً عما يحدث سوى كراهية نظام مبارك والظلم والفساد والاستبداد الذى أصاب البلد.
تحركنا إلى التحرير من جديد، حاول المخبرون ورجال الأمن منعنا، لكننا تسللنا فوصلنا إلى ميدان طلعت حرب، فوجدنا مظاهرة حاشدة من باب اللوق يقودها الكاتب الصحفى براء الخطيب، بعنف وحدة لم أره فيها من قبل، لدرجة إنى ذهبت إليه لتهدئته وإبعاده خوفاً من تعرضه لأى مكروه، فرد على والفرحة فى عينيه لم أدرك معناها سوى الآن: «متقلقش عليا يا مملوك.. خد بالك من نفسك أنت بس».. دقائق، والضرب فى المليان بدأ.. تفرقنا كلنا، ولجأت أنا وزميلتى رانيا فزاع وآخرون إلى الاحتماء بعمارة «مصر للتأمين». بنتان من أبناء العمارة نادتا علينا وقالتا: «اركبوا الاسانسير.. إحنا ساكنين فى الدور الخامس»، صعدنا أنا ورانيا، واحتمينا حتى هدأ الموقف بعض الشىء، ثم خرجنا من جديد للميدان.. هنا رانيا قالت لى: «كفاية كدة عليا أنا كنت هموت ولازم أروح علشان حظر التجول، زمان بابا وماما هيموتوا عليا من الخوف».. ودعتها وطلبت منها أن تكون حذرة، ثم ذهبت إلى ميدان عبدالمنعم رياض، شاهدت تجمع الكثيرين حول عربة «ترحيلات» سيطروا عليها، احتفلت معهم بـ«النصر»، ثم وجدت آخرين يفعلون نفس الشىء بعربة أخرى على كوبرى أكتوبر، ذهبت أيضاً، حتى اغرورقت عيناى بالدموع، حينما شاهدت النار تشب فى مبنى الحزب الوطنى الديمقراطى.. لحظات ونظرت للمبنى وجدت عمليات كر وفر وضرب متبادل بين «المتظاهرين» و«بقايا الأمن» حتى جمعنا أنفسنا ونزلنا إلى المبنى «السيادى» وهربت فلول الأمن ووجدنا قوات الجيش تستعد لتطويق المنطقة بالكامل وقالوا لنا: «إنتوا وصلتوا رسالتكو.. سبونا بقى نشوف شغلنا».. تركتهم وعدت إلى الجريدة بعد أن أطمأننت بعض الشىء، ولأطمئن على بقية زملائى وأسرتى.. وقلت للجميع: «اتقوا شر الشباب والفيس بوك إذا غضب».
