غالباً ما يكون الدافع الجلل الذى يحرك الشعوب إلى القيام بثوراتها هو الفقر أو الظلم أو كليهما معاً، فتندفع الشعوب بمختلف فئاتها إلى الشارع لعلها تجد فيه متنفسها بعد أن ظلت الأجهزة الأمنية السلطوية جاثمة على أنفاسها حتى كادت أن تخنقها إن لم تكن قد فعلت ذلك بالفعل، وغالباً ما استطاعت الثورات الشعبية أن تنجح وتحقق ثمارها المرجوة منها، لأنه ما من شىءٍ يمكنه أن يقف عائقاً فى طريق إرادة الشعب.
إن ما حدث ـ وما زال يحدث ـ فى تونس ومصر ليس من قبيل الصدفة البحتة، بل إن هناك الكثير من المقدمات التى دفعت الشعب إلى أن يخرج من قمقمه لكى يعلن صراحةً عن رغبته فى التغيير إلى حالٍ أفضل، هذا الخروج كان ـ بالأساس ـ بحثاً عن رغيف خبز وعن كرامة مهدرة وتنمية مفقودة، ولكن التعامل السلبى الذى تتميز به الأنظمة الحاكمة فى بعض البلدان العربية هو ما دفع المحتجين إلى المطالبة بالمزيد من المطالب والتى هى حقوق مشروعة بالأساس وليس هبات يمنحها الحكام لشعوبهم.
إن الأحداث الأخيرة التى تشهدها الدول العربية هى تأكيد على أن الروح الثورية التى تميزت بها الشعوب العربية لم تمت يوماً، حيث اعتقد بعض الزعماء أن عصر الثورات قد ولىّ وفات، بل إنهم قد عملوا طوال فترات حكمهم المتوالية على إجهاض أى محاولات للإصلاح السياسى أو الاجتماعى واغتيال كل صوت معارض يستشعرون منه القوة والقدرة على هز عروشهم، فأصبحت المعارضة المتبقية مستأنسة ما هى إلا أحزابا ضعيفة مشتتة ومتضاربة فى برامجها ومغيّبة إعلامياً لدرجة أن رجل الشارع لا يعرف عنها شيئاً، إن لم يكن يعرفها بالأساس.
لكن كثيراً ما تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، ففى الوقت الذى كانت فيه الأنظمة الحاكمة مشغولة بإحكام قبضتها على السلطة، ومنهمكة فى العمل على تأمين التمديد لفترات رئاسية أخرى أو توريث سلمى للسلطة، كانت هناك أجيال جديدة تصعد فى الأفق، أجيال كانت ترى وتشاهد مدى الحرية والديمقراطية التى تتميز بها بلدان أخرى على نفس الكوكب وتعقد المقارنات بيننا وبينهم، وما زاد الطين بِلة هو التجاهل التام من قبل الحكام لهذه الفئة العريضة من المجتمع التى يمثلها الشباب، فكانت ثورتهم هى سبيلهم إلى الخروج من الحالة المتردية التى يعيشونها لعل صوتهم يصل إلى الحكام فيعلم بوجودهم ويقتنع بمطالبهم، فخرجت مظاهرات حاشدة ومتزامنة فى معظم المدن إن لم يكن كلها، ومع استمرار زيادة ابتلال الطين من خلال البطء الشديد فى التعامل مع المظاهرات والاحتجاجات زاد سقف المطالب لتصل إلى ضرورة إسقاط النظام بأكمله، وضرورة بدء مرحلة عمرية جديدة من حياة وتاريخ الوطن.
إن الأوطان باقية والأشخاص زائلون، عبارة كثيراً ما يتذكرها الرؤساء عندما يصبح خروجهم من السلطة أمراً لا مفر منه، لكن للأسف يكون هذا التذكر متأخراً جداً فيصبح بلا فائدة، حقيقةً إن الأوطان باقية كما أن الروح الثورية فى نفوس الشعوب باقية ولا تموت أبداً طالما بقى الظلم والفقر سمات حكم الزعماء الفاسدين.
أحمد مصطفى الغـر يكتب: الأوطان باقية والأشخاص زائلون
الخميس، 03 فبراير 2011 01:14 م