من المطالب الرئيسية لثورة 25 يناير التى لن يحيد الثوار عنها حل جهاز مباحث أمن الدولة، وذلك لما قام به هذا الجهاز من تدمير للحياة السياسية والاجتماعية والنقابية والجامعية الخ، ولما بثه من رعب فى نفوس المصريين مثقفين أو حتى أميين، حتى أنه أصبح "بعبعا" يستخدمه المقربون من السلطة دائما لتخويف خصومهم.
لقد صدم الثوار فى حديث وزير الداخلية محمود وجدى دفاعا عن هذا الجهاز، بحجة أن كل الدول لديها أجهزة مماثلة، كما لم نفهم عدم اقتراب المجلس العسكرى من هذا الجهاز حتى الآن، مما أعطى انطباعا أن هذا الجهاز أقوى من الدولة المصرية كلها، رغم أن الأمر ليس كذلك أبدا، ورغم أننا عاصرنا حل جهاز مماثل، بل أكثر شراسة على حدودنا الجنوبية فى السودان قبل 25 عاما.
كان حل جهاز أمن الدولة فى السودان استجابة لمطلب شعبى، بلورته انتفاضة شعبية ناجحة أطاحت بحكم الرئيس نميرى فى 6 إبريل 1985، وعقب نجاح الانتفاضة بأقل من 24 ساعة صدر قرار من المجلس العسكرى الحاكم بقيادة المشير سوار الذهب بحل الجهاز، حيث حاصرت قوة من سلاح المظلات رئاسة الجهاز، وتم استدعاء جميع ضباط الجهاز إلى "اجتماع" فى كافيتيريا المبنى، وبعد أن تجمعوا جميعاً تم إبلاغهم فى اقتضاب بقرار تصفية الجهاز وباعتقالهم، وتم نقلهم جميعا إلى سجن كوبر الشهير الذى حبسوا فيه النشطاء السياسيين ومعارضى نظام نميرى لسنوات طويلة.
كان وضع جهاز أمن الدولة فى السودان يفوق نظيره فى مصر، لدرجة أن رئيسه اللواء عمر الطيب كان يشغل موقع نائب رئيس الجمهورية، وكان يمتلك من الإمكانيات المادية والبشرية الشىء الكثير، الأمر الذى جعل السودانيين يرتعشون حين يذكرون اسمه، كما هو الحال فى مصر أيضا، ومع كل هذا الجبروت تم حل ذلك الجهاز واعتقال قادته قبل أن يلملموا أوراقهم أو يحرقوا ما لديهم من مستندات ووثائق، علما بأن جهاز أمن الدولة السودانى كان مختصا بالأمن الداخلى والخارجى، أما المصرى فهو مختص بالأمن الداخلى فقط، وبالتالى فالمخاوف من حله هى أقل كثيرا مما حدث فى السودان.
ما أشبه الليلة بالبارحة وما أشبه الوضع فى مصر قبل وبعد الثورة بنظيره فى السودان قبل وبعد الانتفاضة، فالشكوى من الجهاز واحدة فى البلدين، والمشير طنطاوى يرأس المجلس العسكرى فى مصر، والمشير سوار الذهب كان يرأس المجلس العسكرى فى السودان، والمجلسان العسكريان هما فقط من يستطيع حل جهاز بحجم جهاز أمن الدولة سواء فى مصر أو السودان، مع تجنب أى أضرار قد تنجم عن عملية الحل مثل نشر حالة فلتان أمنى وبطجة، أو زرع الفتن فى المجتمع، أو حتى بيع أسرار الدولة لأطراف خارجية، ومن الطريف أن حل ذلك الجهاز اللعين فى السودان تم فى انتفاضة 6 إبريل، ونحن لا نزال نفخر بتاريخ 6 إبريل المصرى، ولدينا حركة شبابية فتية وفاعلة تحمل الاسم ذاته، وربما توفر لها هذه المفارقة التاريخية زخما جديدا فى مطلبها والذى هو مطلب كل الأحرار بضرورة حل جهاز أمن الدولة.
كل الذين طالبوا بحل جهاز أمن الدولة لم يتحركوا من فراغ، بل إنهم جميعا تعرضوا لانتهاكات بشعة على أيدى ضباطه، سواء عبر الاعتقال والتعذيب، أو الملاحقة وانتهاك حرمة البيوت، أو الحرمان من الوظيفة أو الترقى، أو الحرمان من عضوية النوادى والجمعيات والنقابات، أو الحرمان من السفر والعمل فى الخارج، أو حتى الحصول على رخص تجارية إلخ، أو إغلاق شركاتهم ومحلاتهم، ومن المؤكد أن حل هذا الجهاز وتوزيع ضباطه ومنتسبيه على أفرع أخرى بوزارة الداخلية، مع محاكم المجرمين منهم الذين يمكن لأى مضار أن يقدم ضدهم بلاغات موثقة سيدخل السعادة إلى نفوس كل المصرين، كما حدث من قبل مع أشقائهم السودانيين.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة