تواجه الثورة المصرية أعباء كبيرة وأوقات عصيبة، فالحاكم المستبد عاث فى مصر فسادا طوال ثلاثين عاما، واستطاع تأسيس ونشر قواعد للفساد أعانته على استباحة كل ما يريد وحللت له كل ما يهوى، فأصبح له جيش من الأعوان فى كل مكان، منهم علماء وأساتذة للجامعات فى عدة مجالات، ومنهم رجال دين على أعلى المستويات، ومنهم إعلاميون وصحفيون، ومنهم مفكرون ومثقفون، ومنهم رجال أعمال كبار أغنياء، ومنهم محدودو الدخل فقراء بسطاء، ومنهم رجال القانون، ومنهم البلطجية العتاة، ومنهم رجال الشرطة والمخبرون المدنيون.
ولقد وجد كل من هؤلاء مطمعا لدى الحاكم المستبد الذى برع فى عرض المغانم التى يسيل لها لعابهم كل حين، حتى تغيرت الأعراف والمفاهيم، فأصبح الشرف يعنى الغلبة والقوة، والقرابة تعنى المصلحة، ورباط الدم يعنى تقارب الثروات، حتى تزواج الإغنياء بعضهم بعضا، وتناحر الفقراء فردا فردا.
ورغم غلبة نزعات العفو لدى الثورات البيضاء، إلا أن هؤلاء يشكلون أكبر الأخطار على استثمار الثورات، فهم متلونون متغيرون متحولون، تراهم فرادى وهم مجتمعون، تحسبهم أعوانا وهم من الأعداء، إذا ائتمنتهم خانوا، وإذا أخذت ميثاقهم غدروا، يكرهون الحق ويحبون الباطل، يحقدون ويضمرون السوء بلا حدود، حتى أن أحدهم دعا المستبد أن يقتل الشباب الثائر كله مؤكدا أن أحدا لن يحزن عليهم!
ورغم أن يد الحق طاهرة من الدماء، ولا قصاص إلا بحق، ولا أخذ بالشبهات، إلا أن المستقبل لا يحتمل الرهان عليه، ومن الكبائر أن نترك للزبانية مدخلا للحياة الجديدة، ولا يمكننا مراقبتهم أو الوثوق فيهم، فهم من بقايا عهد الاستبداد والظلم، أناس شبوا وهرموا على الطمع والجشع وسرقة حقوق الآخرين، منهم شباب مشوش مختل تربى فى أحضان الفاسدين المفسدين، منهم منافقون تلفظوا بالتوبة فى اللحظة الأخيرة، فهل تقبل توبتهم وهم كانوا يُحشرجون !، منهم جيش من البلطجية يملؤن الأحياء الشعبية ينتظرون من يدفع لهم ليضربوا ويقتلوا ويفسدوا، كيف نأمن على أية انتخابات مع وجود هؤلاء البلطجية!
هؤلاء هم قمامة الحكم الفاسد ويجب التخلص منها لتنظيف حياتنا الجديدة، يجب على كبارهم وأغنيائهم الرحيل مع ربهم الذى كانوا يعبدون، ويجب استبعاد ضعفائهم وفقرائهم من الوظائف العامة، فالمخبرون السريون يجب استبعادهم جميعا من العمل الميدانى، وضباط الأمن المركزى يجب نقلهم لأعمال مدنية، ويجب استبدال الأمن المركزى، وأمن الدولة بإدارات مدنية لرصد ومعالجة الأزمات، تتفاهم مع المواطنين والمتظاهرين لحل مشاكلهم بدلا من مواجهتهم وقتلهم.
أما المشاركون فى الثورة فهم المستفيدون منها بحق، ولكن مصر ليست مغنما نقتسمه، ومن ينجح فى الثورة قد لا ينجح فى الحكم، ولكنهم السباقون الذين لهم حق الخيار والمراقبة والتصحيح، وليس أجمل من ولادة جمعية مدنية على أيديهم لمراقبة الثورة والحفاظ عليها.
سمات العهد القادم مختلفة حتى النخاغ عن كل ما سبق، لذلك نحتاج فيها رجالا ونساء مختلفين حتى النخاع عن كل السابقين، ولا ضير أبدا على الشرفاء منهم أن يتواروا أمام الجيل الجديد الذى تتمخض عنه الأيام القادمة ليسلموه أمانة الثورة، ويظلوا يراقبون أداءهم يوما بعد يوم.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة