نعى رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان نجم الدين أربكان، أبو الإسلام السياسى فى تركيا وأول رئيس حكومة إسلامى فى تاريخها، الذى توفى أمس الأحد عن عمر ناهز 85 عاما.
وقال أردوغان "كان أربكان عالما كرس حياته للمعرفة، وسنتذكره بالعرفان".
الزعيم التركى الإسلامى نجم الدين أربكان الذى عرف بانتمائه الإسلامى ومعارضته الدائمة لإسرائيل حصل على الدكتوراه من جامعة أخن الألمانية فى هندسة المحركات عام 1956، وبدأ المشاركة فى الحياة السياسية عام 1970 حيث أنشا حزب النظام الوطنى الذى كان أول تنظيم سياسى ذا هوية إسلامية تعرفه الدولة التركية الحديثة منذ زوال الخلافة عام 1924.
إلا أن حزبه النظام الوطنى لم يصمد سوى تسعة أشهر حتى تم حله بقرار قضائى من المحكمة الدستورية بعد إنذار من قائد الجيش محسن باتور، فقام أربكان بتأسيس حزب السلامة الوطنى عام 1972، وأفلت هذه المرة من غضب الجيش ليشارك بالانتخابات العامة ويفوز بخمسين مقعدا كانت كافية له ليشارك فى مطلع عام 1974 فى حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الجمهورى الذى أسسه أتاتورك ليرعى المبادئ العلمانية.
وتولى أربكان منصب نائب رئيس الوزراء وشارك رئيس الحكومة بولند أجاويد فى اتخاذ قرار التدخل فى قبرص فى نفس العام، واعتبر من دافع عن مشاركة أربكان فى الائتلاف أنه حقق مكاسب كبيرة لتيار الإسلام السياسى من أهمها الاعتراف بهذا التيار وأهميته فى الساحة السياسية.
وخلال وجوده فى حكومة أجاويد، حاول أربكان فرض بعض قناعاته على القرار السياسى التركى، وحاول ضرب البعض من أخطر مراكز النفوذ الداعمة للنهج العلمانى، فقدم بعد تشكيل الحكومة بقليل مشروع قرار للبرلمان بتحريم الماسونية فى تركيا وإغلاق محافلها، وأسهم فى تطوير العلاقات مع العالم العربى، وأظهر أكثر من موقف مؤيد صراحة للشعب الفلسطينى ومعاد لإسرائيل، ونجح فى حجب الثقة عن وزير الخارجية آنذاك خير الدين أركمان بسبب ما اعتبر سياسته المؤيدة لإسرائيل.
وتميز أربكان بمعارضته المستمرة لإسرائيل حتى بعد خروجه من الحكومة استمر فى معارضته حيث قدم حزب أربكان مشروع قانون إلى مجلس النواب فى صيف عام 1980 يدعو الحكومة التركية إلى قطع علاقاتها مع إسرائيل، وأتبع ذلك مباشرة بتنظيم مظاهرة ضخمة ضد القرار الإسرائيلى بضم مدينة القدس، كانت المظاهرة من أضخم ما شهدته تركيا فى تاريخها المعاصر.
وبعد بضعة أيام تزعم قائد الجيش كنعان إيفرين انقلابا عسكريا أطاح بالائتلاف الحاكم، وبدأ سلسلة إجراءات كان من بينها إعادة القوة للتيار العلمانى ومن ذلك تشكيل مجلس الأمن القومى وتعطيل الدستور وحل الأحزاب واعتقال الناشطين الإسلاميين إلى جانب اليساريين.
استطاع أربكان عام 1983 أن يؤسس حزب الرفاة الوطنى، ونجح فى الفوز بالأغلبية فى انتخابات عام 1996 ليترأس أربكان حكومة ائتلافية مع حزب الطريق القويم برئاسة تانسو تشيللر.
وخلال أقل من عام قضاها أربكان رئيسا للحكومة التركية، سعى أربكان إلى الانفتاح بقوة على العالم الإسلامى، حتى بدا وكأنه يريد استعادة دور تركيا الإسلامى القيادى، فبدأ ولايته بزيارة إلى كل من ليبيا وإيران، وأعلن عن تشكيل مجموعة الثمانى الإسلامية التى تضم إلى جانب تركيا أكبر سبع دول إسلامية: إيران وباكستان وإندونيسيا ومصر ونيجيريا وبنغلاديش وماليزيا.
ولم يكتف أربكان بذلك، بل نشط عبر العالم الإسلامى، وحدد موعدا لمؤتمر عالمى يضم قيادات العمل الإسلامى، وباتت تركيا تتدخل بثقلها لحل مشكلات داخلية فى دول إسلامية كما حدث حينما أرسل وفودا لحل خلافات المجاهدين فى أفغانستان، لكن أربكان حرص رغم ذلك على عدم استفزاز الجيش، وحاول تكريس انطباع بأنه لا يريد المساس بالنظام العلمانى، فنفذ الاتفاقيات السابقة مع إسرائيل دون تردد، وزاد بأن زار إسرائيل لدعم التعاون العسكرى، وسمح للطيارين الإسرائيليين بالتدرب فى الأجواء التركية.
إلا أن هذا التقارب لم يكن مع إسرائيل كافيا لإقناع الجيش بالقبول، فقام الجنرالات بانقلاب من نوع جديد إذ قدموا إلى أربكان مجموعة طلبات لغرض تنفيذها على الفور تتضمن ما وصفوه بمكافحة الرجعية وتستهدف وقف كل مظاهر النشاط الإسلامى فى البلاد سياسيا كان أم تعليميا أم متعلقا بالعبادات، فكان أن اضطر أربكان إلى الاستقالة من منصبه لمنع تطور الأحداث إلى انقلاب عسكرى فعلى.
فى عام 1998 تم حظر حزب الرفاه وأحيل أربكان إلى القضاء بتهم مختلفة منها انتهاك مواثيق علمانية الدولة، ومنع من مزاولة النشاط السياسى لخمس سنوات، لكن أربكان لم يغادر الساحة السياسية فلجأ إلى المخرج التركى التقليدى ليؤسس حزبا جديدا باسم الفضيلة بزعامة أحد معاونيه وبدأ يديره من خلف الكواليس، لكن هذا الحزب تعرض للحظر أيضا فى عام 2000.
ومن جديد يعود أربكان ليؤسس بعد انتهاء مدة الحظر فى عام 2003 حزب السعادة، لكن خصومه من العلمانيين، تربصوا به ليجرى اعتقاله ومحاكمته فى نفس العام بتهمة اختلاس أموال من حزب الرفاه المنحل، وحكم على الرجل بسنتين سجنا وكان يبلغ من العمر وقتها 77 عاما.
وأصدر الرئيس التركى عبد الله غول عفوا رئاسيا عنه فى 18 أغسطس 2008م بسبب تدهور حالته الصحية.
رئيس وزراء تركيا أردوغان
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة