قال التاريخ إن غالبية من المصريين قد استأمنوا الزعيم / أحمد عرابى فى خطواته نحو الأستقلال ثم جاءت أقلية منهم فخانوه ، فرجع ورجعوا معه إلى المربع صفر نحو الاستقلال!!
وقال التاريخ كذلك إن المصريين عقب ثورة 52 هتفوا باسم رئيسهم الأول / محمد نجيب وحملوه على الأكتاف والأعناق ، وعندما نفاه عبدالناصر ارتضينا قراره ثم هتفنا بإسم / عبدالناصر!!
وقال التاريخ إن كثيراً من المصريين عبدوا – معاذ الله - الرئيس عبدالناصر وفتنتهم كاريزمته ثم بعد مماته كفروه وألصقوا به التُهم تلو التُهم وعتبوا عليه كاريزمته التى لم تُحقق لمصر إلا الهزيمة!!
وقال التاريخ كذلك إن فئة من المصريين قتلوا السادات رجل الحرب والسلام وداهية القرن العشرين، وهاهى الآن تبكى عليه وتتمنى يوم من أيامه!! وهو كذلك حال كثيراً من قادة وشعوب العرب!!
وقال التاريخ إن كثيراً من الصُحفيين وأصحاب الرأى ظلموا الدكتور/ عاطف صدقى رئيس الوزراء الأسبق حين سخروا من خطواته نحو الإصلاح الاقتصادى ووجهوا له ولها اللوم والعتاب، ثم جاء نفس الصحفيين وعلى رأسهم الكاتبين العظيمين أحمد رجب ومصطفى حسين وقدموا الاعتذار لكل إساءة وجهوها للدكتور بعدما تأكدوا من صدق حدثه، ورجاحة عقله، وصحة قراراته وخطواته ونبوءاته!!
هكذا قال التاريخ..
فماذا إذن سيقول التاريخ عن الرئيس السابق / حسنى مُبارك صاحب العديد والعديد من الإنجازات العسكرية والمدنية لمصر على مدار أكثر من 60 عاما، وقليل القليل من الإخفاقات السياسية؟!
ماذا سيقول التاريخ عن شعب مصر وقد أخرج الرجل بمنظومة من العناد الجاف انتهت بتخليه عن منصب رئاسة الدولة بهذه الطريقة المُهينة الفجة التى لا تتناسب مع تاريخه، ولا تتناسب مع أصالة شعب مصر ووفاؤه وتحضُره؟! ولابد لنا هُنا - أن لا ننكر أن قرار التخلى ذاته حمى مصر ومُكتسبات شعبها الكريم من أضرار لم يُكن يعلم مداها إلا الله عز وجل.
وإن كان سيادته قد أشهد التاريخ فى بيانه قبل الأخير لشعب مصر على ما له وما عليه طوال مسيرة حُكم زادت عن 29 سنة!! وإن كان سيادته قد أعلن فى نفس الخطاب أنه حز فى نفسه تصرفات بعض من بنى وطنه!!
فإنى أشهد أولاً بأن التاريخ سيكتُب بإذن الله اسم / محمد حُسنى مُبارك بحروف من نور، وأنه سيقف مُنحنياً تارة، ومؤدياً التحية العسكرية تارة أخرى أمام غالبية من قراراته العسكرية والمدنية طوال مدة حُكم مصر، وهى القرارات التى حمت مصر من حروب كانت على شفا حفرة منها، وحمى شعب مصر من ويلاتها، وهى القرارات التى حققت الاستقلال والاستقرار والأمن والأمان إلى أبعد حدود كُنا نتمناها، ولم نشعر بقيمة هذا الاستقرار وهذا الأمن إلا مساء اليوم اللعين 28 يناير الذى شهد الانفلات الأمنى الأكثر لعنة، وهو الانفلات الذى أراه وقد مثل سبباً أساسياً فيما حدث من أحداث حسبها آخرون للثورة والثوار حيث ازداد سقف مطالبهم أولاً بأول بعد هذا الانفلات الأمنى الغير مسبوق، والذى لابد من محاسبة المسئولين عنه حساباً عسيراً!!
وهى القرارات التى حققت الطفرة الاقتصادية – إلا قليلاً – التى عاشها غالبية غالبة من المصريين فى جميع المجالات، وهى القرارات التى ساعدت على وضع مصر فى مكانة كبيرة بين دول العالم – إلا قليلا- وكانت الأيام والمستقبل القريب كُفلاء بتحقيق هذا القليل وذاك!!
أما ثانياً فأنه يحز فى نفسى – كما حز فى نفس سيادته - أن أقول أن كل من مصرى ساعد على خروج الرئيس السابق / محمد حسنى مُبارك بهذا الشكل أو(هنأ) بهذا الخروج المهين يجب أن ننزع منه لقب "الأصيل" فهو مصرى نعم - ولكنه غير أصيل!!
وأن ننزع منه لقب (الوفى) فهو مصرى نعم - ولكنه منعدم الوفاء لرجل أعطى مصر كل هذه الإنجازات، وهى الإنجازات التى سيمحى بها التاريخ إخفاقاته القليلة!!
وعزائى أخيراً - أن سيادته اعترف بهذه الإخفاقات أيضاً فى خطابه الأخير للأمة المصرية، وهى أخطاء – ووفقاً لاعترافه - طبيعية تقع فيها جميع الأنظمة السياسية فى جميع البلاد، وأعتقد أننا كُنا قادرين على تصويبها.
وإن كُنا الآن فى مشهد يستلزم ضرورة الاعترف بأنه لا بأس من قيامنا بتصويبها من خلال ثورة 25 يناير، فإن البأس كل البأس هو أن نهين رمزا فى مكانة الرئيس السابق / محمد حسنى مُبارك لا يستحق من شعب مصر إلا كل تقدير وكُل حُب وتوقير.. لأنه كان واحد مننا، وسيظل كذلك واحد مننا.
فهل من مُسامح ؟!
وهل من بحث عن طُرق تضمن توقيره وتقديره وإعادة اعتباره!! فالخشية كل الخشية أن نسمح للتاريخ أن يُسطر سطراً واحداً ضد تصرف شعب مصر حيال هذا القائد العظيم.
