لعل ما تعيشه مصر فى هذه الأيام بعد انتصار ثورتها الشريفة حالة من النشوى والفرحة المشوبة بالعزيمة والإيمان الصادق أن الطريق مازال طويلاً وأننا لم نتخط بعد إلا البداية التى يكتب عليها أسماء الأبطال والمشتركين ومن ثم فنحن لم نبدأ حتى الآن فى أحداث العمل العظيم.
ومما لا شك فيه أن كل فرد فى هذا الوطن سواء كان معارضًا أو مؤيدًا لهذه الثورة وسواء كان مؤيداً مشاركاً أو غير مشارك يجب أن يلتف الجميع الآن حول الثورة وأهدافها لأن الأمر أصبح الآن نهائياً ولا رجعة فيه بالنسبة لهذا الوطن فأى ارتداد لا قدر الله سوف يترتب عليه انهيار لا يحمد عقباه لنا جميعاً، فلمن عارض هذه الثورة من فئة الشرفاء لقناعات ما فى عقولهم ومع اختلافنا معهم نحن المؤيدين ندعوهم لمساندة الثورة لكى يروا مصر كما هى فى خيلاتنا جميعاً، مصر التى تمتلك دور البطولة بين أقرانها ومن حولها، مصر التى هى محل احترام الكبار بل وملهمتهم، تحتاج منا الكثير فى هذا الوقت، فأنا أرى أمامى الآن النموذج اليابانى قبل الانتفاضة الاقتصادية والصناعية التى أوصلتها لتحتل الصدارة بين بلدان العالم الآن بل وأرى أن مصر أكثر قدرة من اليابان نفسها لما تمتلكه هذه الأرض من ثروات وموارد وكفاءات وطاقات لا تمتلكها بلدان كثيرة، ولعل ما حدث فى هذه الثورة المباركة يبين لنا ما هى عزيمة هذا الشعب وهؤلاء الشباب.
وإلى مؤيدى هذه الثورة أتوجه إليهم بالتحية على سعة الأفق وامتداد البصيرة وأن رهانهم كان عن إيمان ويقين بأن هذا الشعب يستطيع أن يفعل ما هو وراء الخيال، وأرجو منهم أن يستجمعوا قواهم وألا ينشغلوا بسفائف الأمور من إعداد قوائم سوداء بأعداء الثورة ثم حدوث انشقاقات داخلية والشروع فى التشكيك فى بعضنا البعض وبالتالى ستضيع ثمار هذه الثورة وسنجد صعوبة فى تحقيق النتائج المرجوة منها، يجب علينا ألا نترك لأحد الفرصة فى أن يتحكم فى مشاعرنا وأن يقلبنا على أنفسنا وأن تكون مصر هى الدافع الوحيد الذى يدفعنا للأمام، فلنلقى كل التفاهات خلف ظهورنا ولنعتبرها كالشوائب التى تطفو على وجه الماء ولنزيحها جانباً لكى نتفرغ لما هو أكثر أهمية.
وإلى عمال مصر الشرفاء المكافحين، رمز الطهر والجهد على مر السنوات والعصور، والجزء الفاعل فى المجتمع والذى ظلم كثيراً وسلبت حقوقه لعقود مضت أدعوكم أن تصبروا وتصابروا وترابطوا.
اصبروا على ما أنتم فيه حتى تمر البلاد من هذا العنق الضيق وتنطلق إلى رحابة الكون الفسيح وعندها ستجدون كل احتياجاتكم ومطالباتكم قيد التنفيذ دونما اعتصامات ودونما احتجاجات تكلف الوطن الملايين والمليارات من الجنيهات، اصبروا حتى تتحقق الأمنيات التى ضحى من أجلها شبابكم بالأرواح وبالدماء، اصبروا حتى تستطيع قواتكم المسلحة النبيلة والعظيمة أن تمر بهذا البلد إلى بر الأمن والأمان.
وصابروا، إلزموا أنفسكم بالصبر مهما كانت المظالم، واعملوا بكل ما أوتيتم من قوة، فشركاتكم ومصانعكم وهيئاتكم موجودة ولن تذهب بعيداً وتستطيعون فى أى وقت أن تحتجوا وأن تعتصموا إذا ما رأيتم مطالبكم لم يتم الاستجابة لها، صابروا ولا تعلنوا العصيان على بلدكم وأنفسكم، فكل دقيقة تقومون بإيقاف تروس الإنتاج فيها أو تعطلون سير المصالح فيها لها أضرارها التى ستعود عليكم قبل أن تعود على غيركم، صابروا وأنتم على يقين بأن حقوقكم أصبحت الآن محسومة ولن تذهب بعيداً فقد مضى زمن الفساد والظلم والاستبداد، وأصبحتم أنتم الملاك الحقيقيون لهذا البلد.
يا كل مصرى، يا كل محب لتراب هذا الوطن أنت الآن مسئول، أنت أيها الفلاح مسئول أن تقدم أفكارك التى تنمى الزراعة وتعود بنا مرة أخرى إلى بلد لديه اكتفاء زراعى صحى وسليم بلا أمراض وبلا تلوث، مصر تنتظر منا أن نحتضنها لكى تعبر بنا ونعبر بها، ولكى تسعدنا ونسعدها.
عاشت مصر وعاش المصريون.
