لا أدرى لماذا بدأت أشعر بالخوف على الثورة من اختطافها, وركوبها من أطراف بدأت تتنامى فى أشكال مختلفة, منها التظاهرات الفئوية المنتشرة هنا وهناك, والتشكيك المجازى والشامل لكل الشخصيات التى يتررد اسمها على الساحة دون تمييز, والأخطر انتشار الإشاعات حول ممارسات الجيش نحو المواطنين, وهو الأمر الذى يعكر صفو العلاقة شديدة التميز التى ظهرت ومنذ اللحظة الأولى بين الجيش والمتظاهرين فى تلاحم واضح "الشعب والجيش إيد واحدة", بالإضافة إلى تنامى الحديث حول خطط الثورة المضادة التى بدأت تظهر معالمها فى الكثير من المشاهد السياسية للقضاء على مكاسب الثورة, والتى تتشكل من قيادات فى الحزب الوطنى ورجال أعمال مرتبطين به, وقطاع صغير من ضباط أمن الدولة والمخبرين السريين وهؤلاء نجحوا فى استقطاب عدد من رجال الأحزاب والمستقلين بحجة الحفاظ على كيان الدولة ومنعها من الانهيار.
هناك خطة محكمة وضعها مفكرون ينتمون للحزب الوطنى فى مواجهة جماعة الاخوان المسلمين وشق الصفوف, وترتكز هذه الخطة على استخدام فزاعة الإخوان ضدهم بزعم أنهم يحاولون الحصول على الأغلبية وتشكيل الحكومة وهو ما يجب توحيد الصفوف لمواجهته واعتبار أن معركة الشارع الحقيقية هى محاربة البعبع الإخوانى القادم للهيمنة على كل شىء, وفى إطار تكثيف هذه الحملة بدأت أصوات مسيحية تتعالى وتحذر من دولة دينية لم يتبنها أحد, وهى فزاعة يستخدمها أنصار النظام لكسب المسيحيين, خاصة وأن المادة الثانية من الدستور أصبحت محل جدل الآن, وهناك أصوات تطالب بتغييرها.
وبدأنا نشاهد على الفضائيات استضافة لرموز الإخوان ومحاولة إحراجهم عبر سؤال محدد: هل توافقون على أن يتولى رئيس مسيحى حكم البلاد؟
ولأن عناصر الإخوان تفتقر إلى الحنكة السياسية, ستكون الإجابة نحن دولة إسلامية لايحكمها غير مسلم وهى الإجابة التى سيتم تسويقها داخليا وخارجيا, وكنت قد شاهدت على إحدى القنوات الفضائية منذ أيام مناظرة بين د. محمد البلتاجى المتحدث باسم الإخوان وأحد الضيوف المسيحيين لا أذكر اسمه وقيادى فى الجماعة الإسلامية, تم تحويل مسار النقاش إلى تساؤل ملح فيما إذا كان الإخوان يقبلون برئيس مسيحى أم لا؟ وما إذا كان من الممكن أن تتقلد إمرأة منصب الرئيس؟ بالإضافة إلى نقاش حذر حول المادة الثانية من الدستور وما إذا كانت تلبى طموحات الشعب المصرى بكامله أم لا؟ وللحق فإن الضيف المسيحى لم يعترض على بقاء المادة الثانية من الدستور طالما لا تتعرض لحقوقه المدنية أو تمس حريته الشخصية فى عقيدته الدينية.
وفى مشهد آخر فإن هناك معلومات تفيد بأن الحزب الوطنى يحاول إقناع أتباعه فى المحافظات بأنه ليس أمامهم سوى خيار واحد من اثنين: إما الانتظار حتى تنجح الثورة وتتم محاسبتهم وملاحقتهم قضائيا خاصة أن الهروب بالأموال للخارج لم يعد متاحا بعد تشكيل لجان ملاحقة تهريب أموال مصر وتعاون المجتمع الدولى معها, أما الاختيار الثانى فهو القتال حتى النفس الأخير لإسقاط الثورة بجميع السبل اعتمادا على أن شباب الثورة من الشباب الذين يفتقرون إلى الخبرات السياسية.
بعض الشباب ذوى الخبرة المحدودة كادوا أن يضللوا, وينساقوا لمروجى الأكاذيب فيما يخص الثورة, لولا ما ينشر كل يوم عن خبايا ملفات الفساد التى زكمت رائحتها الأنوف, وفاقت التصورات فى فجرها وفداحتها, مما أجبرت الكثيرين على التراجع والاعتذار, لأنهم لم يتصورا حجم الفساد الذى طال كل قطاعات الدولة, بل شعروا بخداعهم والتغرير بهم.
أكثر ما يؤلم فى هذه المشاهد على كثرتها حالة التخوين المتبادلة بين قطاعات كثيرة فى المجتمع, حتى وإن كانت طبيعية فى مرحلة حساسة تستدعى استنهاض كل الطاقات الخلاقة والنزيهة, لتثبت مع الوقت أن الثورة جاءت من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية, "ارفع رأسك فوق انت مصرى" فالثورة جعلت الجميع يدافع عن المعنى قبل المصلحة, وجعلت الشعب يتوحد ويحقق معجزة لم يتوقعها أحد, وهى قبل كل شىء إنجاز إنسانى يستحق التقدير والثناء.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة