الخوف من الإخوان

الجمعة، 25 فبراير 2011 12:09 ص
الخوف من الإخوان عمر التلمسانى
أكرم القصاص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
انتهت براءة الثورة وبدأت المناورة.. وإصرار الجماعة على الجمع بين الحزب العلنى والجماعة «نصف السرية» يثير مخاوف أنصار الدولة المدنية

عندما قامت ثورة 25 يناير لم تظهر أيديولوجيات أو اتجاهات، بدت مصر وشبابها فى المقدمة هم وقود الثورة، كانت البراءة هى عنوانها لكن الطبيعى بعد نجاح الثورة أن تبدأ السياسة عملها، والطبيعى أيضا أن التيارات الأكثر تنظيما وقدرة على استخدام التكتيكات تفوز فى سباق السياسة. لقد خلت الثورة من تيار بعينه لكن جماعة الإخوان المسلمين كانت الأكثر تنظيما وقدرة على الحسم وظهر هذا فيما سمى بموقعة الجمل.

لقد كان النظام السابق يقصى التيارات السياسية ويسعى لاختراق التيارات والأحزاب، وإضعافها من الداخل حتى حولها إلى شراذم، بالرغم من قوتها بعد إعادة الأحزاب الثانية فى عهد الرئيس السادات. واشتدت المعارضة ضده من حزب العمل والتجمع الذى كانت جريدته الأهالى تصادر بشكل دورى، انتهى عصر السادات باعتقالات سبتمبر التى ضمت المعارضين من كل الأطياف من محمد حسنين هيكل إلى فؤاد سراج الدين ومن عمر التلمسانى والشيخ المحلاوى إلى فتحى رضوان وأبو العز الحريرى.

لقد بدأ السادات عصره بالانقلاب على اليسار فى الجامعة والشارع، أخرج الإخوان من السجون واستدعاهم من السعودية وعقد معهم صفقة لمواجهة اليسار والناصريين، وكان مهندسها صهره عثمان أحمد عثمان. كما دعم ظهور الجماعات الإسلامية بأنواعها. لكن شهر العسل لم يستمر وسرعان ما كانت اتفاقيات كامب ديفيد وزيارة القدس سببا فى صدام الحلفاء، وأنهى السادات عصره والمعارضة كلها فى السجن أو فى صراع مع النظام.

بدأ عصر مبارك بمصالحة مع الجميع أخرج المساجين وكان الإخوان فصيلا من المعارضة شاركت فى البرلمان عامى 1984 و1978، معها اليسار واليمين والإخوان والوفد. مع الوقت تم إضعاف المعارضة واختراقات أمن الدولة، ولم يبق منها إلا الإخوان فصيلا منظما. ظل يتصادم وينافس، ونجحت الجماعة فى حصد 88 مقعدا بالبرلمان، بعيدا عن التحالفات السابقة عامى 84 و87، وكانوا طرفا فى معادلة النظام، الذى كان يتعامل مع الجماعة بازدواجية. يصر على وصفها فى إعلامه وصحفه بالمحظورة ويتعامل معها فى البرلمان ويصر الدكتور فتحى سرور على اعتبارهم مستقلين.

الإخوان زحفوا على النقابات المهنية وحصدوا مجالسها فى غيبة التيارات الأخرى، وفشل الحزب الوطنى، الأمر الذى دفع النظام السابق لحصار العمل النقابى وإصدار القانون 100 الذى أبطلته المحكمة الدستورية العليا. وأدى لتجميد النقابات عشرين عاما. وظلت العلاقة بين شد وجذب حتى تمت الإطاحة بالإخوان مع كل المرشحين المعارضين فى الانتخابات التى خططها أحمد عز وقيادات الوطنى استعدادا للتوريث. لكن قامت ثورة يناير، وأطاحت بالنظام.

وكان ميدان التحرير هو ميدان الثورة، هناك كان المصريون فى أفضل صورهم، ثوارا يبتسمون ويقيمون مجتمعا مثاليا تختفى فيه النعرات الحزبية والأيديولوجية، وكان الإنترنت فضاء موازيا يحمل أحلام المصريين وآمالهم. كان من الصعب تمييز المسلم عن المسيحى أو الإخوانى عن اليسارى، أو الوفدى. لكن إعلان تنحى الرئيس، أنهى فترة البراءة لتبدأ فترة المناورات.

ويجب الاعتراف بأن جماعة الإخوان كانت الأكثر تنظيما وهى الفصيل الأوضح بينما أغلبية الثوار كانوا يحملون أحلام إطاحة النظام وإقامة نظام دولة عادلة تقدم تكافؤ الفرص والمساواة، فى الأيام الأخيرة ظهرت الفوارق بين الثوار، كان البعض يرفع شعار الشعب أسقط النظام، ويرد بعض الإخوان والسلفيين بأن «الله وحده أسقط النظام»، والبعض يصرخ مدنية مدنية، فيرد آخرون «لا مدنية ولا عسكرية».. كانت تلك الخلافات هى التى تكشف الاختلافات. وجاء تشكيل لجنة إعداد الدستور الثانية بعد إلغاء الأولى وشكلت لجنة برئاسة المستشار طارق البشرى وعضوية صبحى صالح ممثلا للإخوان دونا عن كل التيارات، واحتل الإخوان منصات اللجان والائتلافات ومنها لجنة أمناء الثورة، وتم التركيز على الإخوان فى التليفزيون والفضائيات. وكان ظهور الشيخ يوسف القرضاوى المقيم فى قطر من عقود مؤشرا على اتجاه ما يراد للثورة، بينما اختفى شبابها.

وانعكس هذا على الشباب الذين أبدى عدد منهم مخاوفهم من أن يجنى الإخوان وحدهم نتائج ثورة صنعها الشعب المصرى. مع ما يحمله الإخوان من اتجاه لفكرة المرجعية الدينية لحزبهم، ورغبتهم فى الجمع بين الحزب والجماعة الدعوية، الأمر الذى يصنع ازدواجية يصرون عليها وتعتبر مثار انتقاد لهم.

بعد ثورة يناير عاد الإخوان للصورة لكن التخوفات منهم قائمة منها تخوفات من أن يواصل الإخوان سياسة السيطرة والاستبعاد وأن ينتزعوا أى ملامح من مدنية الدولة، خاصة أن برنامجهم السابق للحزب كان يحمل قدرا من الاستبعاد للمرأة والمسيحيين. كما أن مواقفهم من الفنون كالسينما والسياحة تبدو متراجعة، وهى أنشطة تمثل قوة مصر الناعمة التى منحتها تميزها وانفتاحها.

المسيحيون لديهم مخاوف من أن تتراجع حقوقهم ومعهم قطاع من أنصار الدولة المدنية الذين ناضلوا من أجل أن تكون مصر دولة للعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بصرف النظر عن اللون والدين والجنس. وتستند المخاوف إلى تاريخ كان الإخوان فيه كلما شعروا بقوتهم يتحركون وحدهم، خاصة أنهم كانوا يستخدمون تكتيك التقارب والمناورة مع النظام السابق أو الحزب الوطنى. والخوف الأكبر من أن يصعد الإخوان للحكم فيطيحوا بالسلالم التى صعدوا عليها. الإخوان من جهتهم ينفون رغبتهم فى الانفراد ويؤكدون تأييدهم للدولة المدنية، مع الأخذ فى الاعتبار أن قوة ثورة يناير أثبتت أن الإخوان يشكلون نسبة وليس أغلبية، الأمر الذى لا يعطيهم الحق فى الانفراد.

كما أن توازنات القوى الحالية تجعل الشعب المصرى كله وليس الإخوان فى معادلة النظام الدستورى والسياسى. كما أن القوات المسلحة ضامن يفترض أن يكون موجودا لحماية الشرعية بناء على موقفه المشرف من الثورة.

الإخوان يصعدون والمخاوف قائمة مع إصرارهم على التمسك بالحزب العلنى والجماعة نصف السرية. وهم يطمئنون الجميع لكن التاريخ يؤكد هذه المخاوف، خاصة أن السياسة لا تعرف الوعود النهائية. والشىء الوحيد المطمئن أن الشعب فى معادلة الحكم، والشعب المصرى انتصر دائما للدولة المدنية التى لا تستبعد أى فصيل سياسى يسار أو يمين، وتكون لكل المواطنين. فهل يتغير الإخوان كما غيرت الثورة وجه مصر، أم يصرون على طريقة أدخلتهم دائما فى صدامات مع الجميع.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة