بينما كان النبى المصطفى محمد (ص) يجلس بين أصحابه، ذرفت عيناه بالدموع، فسأله الصحابة عن سر دموعه، فأجابهم قائلا: اشتقت إلى إخوانى، قالوا: أو لسنا بإخوانك يا رسول الله، قال: بل أنتم أصحابى، أما إخوانى أناس يأتون من بعدى يؤمنون بى دون أن يرونى.
ما أعظم دموعك يا رسول الله، والله لقد اشتقنا إليك الآن شوقا، لم نشتق إليك بمثله من قبل، كنت وأنا أتأمل هذا الحديث فى فترة ما قبل الثورة، كنت أسأل نفسى، هل اشتاق النبى فعلا إلينا؟ أقصد نحن الذين استضعفا واستخف بنا حكامنا، ولم نعد نهتم لشىء سوى أمورنا الخاصة وأمور خاصتنا، وأهملنا واجبنا تجاه ديننا وأمتنا وأوطاننا، كنت أسأل نفسى بأى وجه كنا سنقابل حبيبنا رسول الله؟ بأى وجه كنا سنطلب شفاعته؟ بأى وجه كنا سنشرب من يده الكريمة من الحوض شربة لا نظمأ بعدها أبدا؟ نحن الذين صدق فينا قول ربنا عز وجل: { فاستخف قومه فأطاعوه}، كيف كنا سنقف أمام نبينا؟ ما الوجه الذى سينظر هو به إلينا؟
نحن كنا جيلاً من المستضعفين الهارمين الضعفاء، شبابا وشيوخا، رجالا ونساء، ضعفنا وقبلنا الذل والهوان أمام أولئك الذين ظلموا العباد، وعاثوا فى البلاد فسادا، ولم يصونوا الأمانة التى أقسموا أن يحفظوها أمام الله، ولم يراعوا حق الله فى شعوبهم وحاشيتهم.
الآن فقط أريد أن أراه، أريد أن أقابله، أريد أن أبتسم فى وجهه، وأقبل يداه، وأقف بين يديه أحكى له عن ثورتنا العظيمة، الثورة التى بها قهرنا الظلم والفساد، وسعينا لنشر العدل بين العباد.
أريد أن أحكى له كم صمدنا أمام رصاص وجبروت الطاغية الذى أذاقنا ظلما لعقود، كيف أننا لم نهتز ولم نخدع ونحن نسمع منه وعوداً زائفة، يهدف منها أن يقضى على ثورتنا وعزتنا وكرامتنا، وكيف أن حديث المنافقين عنا بأننا عملاء وأننا خائنين لم يزدنا إلا عزما وتصميما على المبيت فى العراء فى مواجهة البرد القارس، وكيف سقط منا جرحى، وسقط منا شهداء معظمهم فى ريعان شبابهم، دفعوا حياتهم ثمنا للحرية، من أجل أن يحيى إخوانهم حياة كريمة، وكل منهم ترك وراءه أبا وأما وإخوة تتفطر قلوبهم حزنا على فراقهم، ولكنها عامرة بالإيمان واثقة بنصر الله.
اشتقت إليك يا رسول الله، أصبحت الآن أتمنى أن تمر بى الأيام سريعة حتى ألقاك، ألقاك أنا وجيلى ممن شهدوا وشاركوا فى هذه الثورة، نريد أن نقف بين يديك ونرى ابتسامتك الفرحة بنا، نرى فى وجهك نور الفرحة لأننا لم نكن جيلا سلبيا، بل جيل انتفض فى وجه الظلم ونفض عنه غبار السلبية التى ألجمتنا لسنوات عجاف، الآن فقط أشعر أننى من أولئك الذين أسميتهم بإخوانك يا حبيبى يا رسول الله.
اللهم ارزقنا رفقة النبى فى الجنة، ولا تحرمنا صحبته فى الآخرة، كما حرمنا منها فى الدنيا، اللهم اسقنا من يده الشريفة شربة هنيئا لا نظمأ بعدها، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد فى الأولين والآخرين وفى الملأ الأعلى إلى يوم الدين، اللهم آمين.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة