بالأمس مساء، قال أحد أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى برنامج العاشرة مساء على قناة دريم: "ياريت رؤساء تحرير الصحف القومية يستقيلوا ويريحونا فالمجلس لا يريد أن يبعدهم حتى لا يبدو إجراء غير قانونى وندخل معهم فى قضايا تعويضات، لكن هما كده كده ماشيين ماشيين".
طبعا المجلس ومصر كلها تعرف أنهم مبلطين ولازقين، وفى ضوء ذلك أقول رغم تحفظى على وصف القومية إلا أننى مضطر لاستخدامه اليوم فقط، حتى أوضح نوعية الصحف والمجلات التى أعنى، كذلك فرضت ثورة 25 يناير القوات المسلحة كسلطة- أرجو أن تكون مؤقتة- أخاطبها كصحفى فى الأهرام لا يعرف من المسئول سياسيا الآن عن الصحافة القومية بعد أن احترق المجلس الأعلى للصحافة، لكن المهم هو أن مؤسسة الأهرام حتى كتابة سطورى تلك تشهد بصورة أو بأخرى ما شهدته شوارع مصر بعد 25 يناير الماضى، مع فوارق بسطية تستبدل فيها اللكمات والشتائم البذيئة بقنابل المولوتوف وأسلحة معركة الجمل والجحش، لكن رئيس تحرير الأهرام والمحيطين به مازالوا لايعرفون أن الثورة قامت والدنيا تغيرت، وردود أفعاله حتى الآن تؤكد صدق تفوقه فى حفظ خطب الرئيس السابق المعنية بالتعامل مع الثورة على أنها مجرد "قلة مندسة".
ويتصور رئيس التحرير والمحيطون به أن استبدال شعار "تحيا الثورة" بـ"يحيا مبارك" كاف ليكون مستمرا فى عمله، متصورا أن الأمر مجرد تغيير لمحل الإقامة أو نوع المهنة فى بطاقة الرقم القومى، لقد سقط مبارك وهو لم يكن مجرد شخص بل كان نظاما يقوم على خدمته وسائل إعلام وتعذيب ونهب وسلب، وبالتالى لا يصح أن يتصور رؤساء تحرير الصحف القومية أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة سيقوم بدور كانت تقوم به وزارة الداخلية السابقة ومندوبوها فى تلك الصحف لحماية النظام السابق ورؤساء تحريره، وإرهاب زملائهم فى تلك الصحف، وقد كان مشهدا مريبا ان أدخل إلى صالة تحرير الأهرام أمس فأجده محاصرا بحوالى 20 فردا من جنود الشرطة العسكرية فى حال تأهب، وأسلحتهم تعيق مرور المحررين فى الممرات الضيقة حول صالة التحرير، وسرت أقاويل كثيرة مفادها أن رئيس التحرير استدعى تلك القوات لحماية ممتلكات المؤسسة من القلة المندسة التى تطالبه بالتنحى، وأن الشرطة العسكرية هى التى حضرت من تلقاء نفسها لمنع خروج وثائق ومستندات مسئولين فى الأهرام يحاولون تهريبها منعا لاستخدامها ضدهم، على خلفية ما حدث يوم الجمعة الماضى، حيث حاول رئيس التحرير تهريب عدد من الكراتين الخاصة به، فتم منعه من جانب عدد من محررى الجريدة، وتشكلت لجنة كنت عضوا فيها لفحص الكراتين، ووجدنا بها أوراقا ومستندات تخص المؤسسة وغيرها من مؤسسات النظام السابق، وحضرت الشرطة العسكرية على الفور وحاصرت مبنى الأهرام، ومنعت خروج الكراتين، وفى اليوم التالى التقى بعض أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعدد من رؤساء تحرير الصحف، وجرى حديث عن ملكية الصحف القومية فى الوقت الحالى، وطرح سؤال حول الجهة التى يمكن لرؤساء تحرير ومجالس إدارات الصحف القومية أن يقدموا اليها استقالاتهم، وكان رد المجلس أن تسير الأمور حاليا كما هى حتى تتضح الصورة، ويظهر مجلس الشورى وتوابعه، وفهم من أراد أن يفهم خطأ من رؤساء التحرير أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يساندهم، وأراد مسئولو الأهرام تأكيد الرسالة بإحضار الشرطة العسكرية لتنتشر فى الطابق الرابع- فقط- من مبنى الأهرام والذى يوجد به مكتب رئيس وصالة التحرير، ليعرف المحررون ماهى القوة الموجودة على أرض الأهرام الآن.
على الجانب الآخر، لم يظهر رئيس التحرير ليوضح لزملائه سر هذه الغزوة المفاجئة من الشرطة العسكرية لمكاتبهم، فضلا عن تجاهله، على طريقة مبارك، احتجاجات المئات منهم على سياساته، ولم يحضر أى اجتماع عقده المحتجون داخل المؤسسة رغم حضور العديد من زملاء أقدم منه فى الأهرام لتلك الاجتماعات، لكن المهم الآن.
أسامة سرايا سيرحل والعشرات ممن كانوا حوله سيتبرؤون منه، وبعضهم بدأ مبكرا، ورئيس مجلس إدارة الأهرام طرح استقالته ويبحث عن الجهة التى يمكنه تقديمها إليها.. والسؤال: ماذا بعد؟
فما يحدث الآن فى الأهرام مؤسف وينذر بأن يتحول الأمر من حديث فى السياسة التحريرية إلى اشتباكات بالأيدى، وبدلا من توقيع بيانات لها علاقة بالأفكار والمستقبل سيتم توقيع كشوف طبية بالجروح والكسور التى أسفرت عنها مشاجرات لتقديمها لأقسام الشرطة، وهى نفس الطريقة البائسة التى أراد بها قادة معركة الجمل أن يدافعوا عن مصالحهم فى مواجهة الثورة، ستحدث- وقد حدثت بحضورى ومدير تحرير الأهرام منذ يومين- أعمال بلطجة فى داخل الأهرام، وسيسقط مصابون باللكمات والكلمات الجارحة، وذلك لنفس السبب الذى أوقع شهداء الثورة وهو: التباطؤ الممل فى حسم ماهو محسوم، وسؤالى للمجلس الأعلى للقوات المسلحة:
هل رؤساء تحرير الصحف الحكومية والقومية أهم وأقوى من الرئيس السابق حسنى مبارك؟
بمعنى أن المجلس أعلن منذ البداية مساندته للشعب وثورته ومطالبته بتنحى مبارك وساعده فى تحقيق هذا الهدف المرحلى المهم، فهل إبقاء المجلس على تلك القيادات الصحفية التى كانت تخدم مبارك ضد الشعب– وبشهادة مقالاتهم المنشورة- يعنى أن المجلس يرى فيهم مركز قوة من الصعب تنحيته الآن، وسؤالى أضعه فى سياق أن الشرعية الحالية هى للثورة وصاحب الثورة هو الشعب وهذا يعنى أن هذا الشعب مالك كل تلك المؤسسات الصحفية ولسنا فى وقت يسمح بسذاجة السؤال عن أوضاع قانونية، ثبت أنها إجرامية ويحاكم بسببها مسئولون سابقون، ويقبع بعضهم فى السجون الآن، وأقصد أن مجلس الشورى كان يملك كل المؤسسسات الحكومية بموجب الدستور والقانون، وبالتالى لا يعرف المجلس الآن إلى من يسلم تلك المؤسسات، لكننى متأكد أن المجلس يعرف، لكنه لا يريد أن يتدخل وإن كان الواقع يقول إنه تدخل وأصبح طرفا، وإلى أن يتم تحديد صورة ملكية الشعب لهذه المؤسسات الصحفية التى كانت مملوكة لمجلس الشورى، لابد من وجود إعلان – نوايا على الأقل- من جانب المجلس، يؤكد أن الثورة أسقطت النظام فى هذه المؤسسات.
أما التحجج بسير العمل ومرحلة انتقالية وعدم وجود خطة لدى المعترضين على بقاء موظفو النظام السابق فى تلك المؤسسات لإدارتها فى حال تنحيهم، فأعلن ما يعرفه الجميع فى الوسط الصحفى والأهرام بخاصة، وهو أن تلك القيادات لم يكن لها علاقة يوما بالعمل الصحفى الفعلى منذ تسلمت كراسيها، وربما كتب بعضهم خبرا أو تحقيقا عندما كان محررا صغيرا، أما اليوم فلكل مسئول عشرات ممن يتنافسون لكتابة مقالات يشرفهم بوضع اسمه وصورته عليها، ومن يدير العمل الفعلى فى الأهرام إن لم يكن مع الثورة فهو ليس ضدها، لأنه لم يكن معنيا بالشأن العام، فقد نجح النظام السابق فى تحويل المسئولين عن دولاب العمل الصحفى الرسمى فى مصر إلى موظفين علاقتهم بشئون الحضور والانصراف اليومى فى صحفهم أهم متابعتهم وفهم لمعنى حضور 25 يناير وانصراف مبارك من تاريخ مصر، والدليل أنهم تصوروا أن مجرد حديثهم عن "تنظيف مصر" برحيل مبارك كاف لأن ينسى الناس أنهم أول من يجب أن تطبق عليهم قوانين النظافة العامة التى لايعرفون عنها شيئا.
أيها الزملاء البائسون تحت تراب مبارك، أفيقوا يرحمكم الله، واعلموا أن تنظيفكم لا تكفيه مجرد غرفة تخلعون فيها بدلة مبارك وتخرجون منعا بملابس رياضية ثورية، تنظيفكم لا يكفيه أقل من أن تغسلوا أجسادكم وعقولكم بعيدا عنا، وليلزم كل منكم حمامه القديم إلى الأبد.
* صحفى بالأهرام
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة