حينما ترددت أنباء عن هروب الرئيس الليبى معمر القذافى من بلاده مساء أمس أسرعت بالاتصال بصديق له علاقات وثيقة بالنظام الليبى الحاكم، وسألته عن مدى صحة هروب العقيد، فرد مؤكدا أنه تلقى اتصالا من طرابلس يفيد بأن القذافى لا يزال فى ليبيا، وهو ليس الشخص الذى يترك بلاده ويهرب، وسيظل يدافع عن نفسه ومشروعه حتى يموت.
لم يكن سيف الإسلام القذافى قد خرج فى بيان تليفزيونى مسجل، وحين تم بث هذا بيانه فى سائر القنوات الإخبارية العربية والعالمية تأكد ما كان يتردد على ألسنة الليبيين من أن بلدهم يمر بمنعطف دقيق للغاية، فحتى مساء أمس كانت ليبيا وهى ثانى أكبر دولة فى أفريقيا من حيث المساحة قد بدأت تتمزق إلى دويلات، عمليا أصبح شرق ليبيا المحاذى لمصر من ناحية الغرب قد انفصل عن الجماهيرية الليبية، وأصبحت بنغازى بما يحيطها من مدن إقيلما مستقلا، وأعلنت بعد المدن مثل البيضاء إقامة إمارات إسلامية.
وتبدو ليبيا أمام ثلاثة خيارات صعبة، أولها العودة إلى ما كانت عليه قبل توحيدها فى خمسينيات القرن الماضى أى ثلاث دويلات هى برقة وطرابلس وفزان، أو يقرر القذافى استخدام القوة المفرطة وشن حرب عسكرية لإعادة الأقاليم المتمردة، أو قيام حركة جماهيرية واعية تواصل الضغط وتنحاز لها القبائل، وتقرر إسقاط العقيد ثم تعقد مؤتمرا وطنيا تعيد فيه توحيد البلاد على أسس فيدرالية تمنح الولايات والمناطق شبه حكم ذاتى أو صلاحيات محلية واسعة.
وإذا كانت مطالب الشعب الليبى مشروعة فى ديمقراطية حقيقية، والتخلص من أكثر نظم الحكم فى العالم فسادا واستبدادا وإهدارا للثروات الوطنية، فإن علينا فى مصر أن ننظر إلى ما يحدث فى الدول العربية المحيطة بنا باعتباره يمس الأمن القومى المصرى.
لن أتحدث عن مؤامرة لحصار مصر وإغراقها فى بحر من الفوضى، لكن يجب النظر إلى حدودنا بشكل عملى لنعرف ما يدور حولنا: فلسطين مقسمة بين سلطتين فتح فى رام الله، وحماس فى غزة، والحرب بينهما وإن توقفت منذ انفصال غزة، فإن اندلاعها فى أى وقت أمر ممكن.
فى الجنوب تم تقسيم السودان إلى دولتين بعد استفتاء تقرير مصير الجنوب، وخلال ستة أشهر ستعلن دولة جنوب السودان بشكل رسمى، ورغم تطمينات الشماليين والجنوبيين حول علاقات جيدة بين الجانبين فإن منطقة أبيى الحدودية بينهما جاهزة لإشعال حرب بين الدولتين السودانيتين فى أية لحظة.
وأخيرا فى الغرب، يبدو أن ليبيا لن تستقر فى الأمد المنظور سواء بقى القذافى أم خرج، وسواء أعاد السيطرة على ليبيا أم اكتفى بالانسحاب إلى سرت وإدارة دويلة خاصة به من هناك وسط أنصاره وقبيلته.
والمحصلة النهائية أن مصر فى شرقها وغربها وجنوبها تعيش الآن وسط بحر من الخلافات والحروب الداخلية داخل دول الجوار العربية، وهو أمر لا يؤثر فقط على حدود مصر، وإنما يمتد إلى العمالة المصرية فى ليبيا والسودان، ويجعل الإقليم الذى نعيش فيه غير مستقر، ويؤدى إلى هروب الاستثمارات منها، وإلى تحول الإقليم الذى نعيش فيه إلى منطقة ذات مخاطر عالية وهو أمر ينبغى أن نفكر فيه جيدا ونتحرك منذ "الأمس" لتلافى آثاره السلبية والتى ستضرب كل منا فى حياته، وتؤثر على مستقبله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة