د. حنان شكرى تكتب: مصر بين ديمقراطية القول وديمقراطية الفعل

الأحد، 20 فبراير 2011 10:39 م
د. حنان شكرى تكتب: مصر بين ديمقراطية القول وديمقراطية الفعل

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الخامس والعشرون من يناير يوم لن ينسى.. ولسوف يُحفر فى ذاكرة التاريخ المصرى الحديث بحروف نسجت من دم الشهداء.. ثلاثاء الغضب الذى نُقش بدماء شباب "الفيس بوك" وإرادتهم الحرة، حيث انتفض ذلك الشباب المصرى ليعلن ثورته على الفساد الذى استشرى فى بلده، ثار ليقتلع الفساد من جذوره. غضبة وصحوة أذهلت الجميع، ووضعت النظام المصرى فى أزمة حقيقية لم يعهدها من قبل، حيث أعلن الشباب غضبتهم لتحويل مسار الديمقراطية.. من ديمقراطية القول إلى ديمقرطية الفعل، إلى ديمقراطية حقيقية يمكن ممارستها على أرض مصر.

والسؤال الذى يطرح نفسه الآن.. هل ثَم علاقة بين كل من ديمقراطية القول وديمقراطية الفعل؟
وأقول إن التاريخ القديم والحديث يشير إلى أن لكل ثورة إرهاصات ومنذرات، فلا تنبت الثورات فى الأرض الجدباء أو من العدمية.. ومن ثم فإن ما حدث يوم الخامس والعشرين من يناير، وما تلاه من أحداث ما هو إلا نتيجة فعلية حركية للشحن النفسى المستمر من ممارسة الديمقراطية القولية.. تلك الديمقراطية التى توقفت عند حدود التعبير عن الرأى دون أى استجابة من الجهات المسئولة.

حرية مزيفة تفتقد إلى رصيد حقيقى من احترام الإنسان، كما تفتقر إلى رد فعل إيجابى لتصحيح مسار الحياة السياسية فى مصر. لقد اختزن المصريون كل هذه الطاقات والانفعالات الغاضبة المحتقنة إلى أن تفجّر البركان فى يوم الغضب.. بركان أطلق حمم الظلم الاجتماعى، وضحايا العبّارة، وقتلى حوادث الطريق وحرائق القطارات، وأشباح البطالة، وسكان العشوائيات...
بركان الحزن المكتوم والمكلوم فى آن واحد. مخزون تراكمى عبر السنين. وهنا يجب أن نعترف بما لديمقراطية القول من فضل كبير فى إشعال لهيب هذا البركان، حيث تعددت منابر الحرية الصوتية متمثلة فيما يلى:
أولا: الصحف المستقلة والمعارضة المنتشرة فى مصر من أقصاها إلى أقصاها، ومنها تمثيلا لا حصرا:
جريدة الوفد، والفجر والمصرى اليوم وصوت الأمة، واليوم السابع، والدستور بما تحمله الأخيرة من مقالات نارية للأستاذ إبراهيم عيسى.
ثانيا: البرامج الحوارية المتنوعة التوجهات على القنوات الفضائية المختلفة، والتى عرفت بـ"Talk show"، وهى فى معظمها تدين النظام الحاكم بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وتفتح كثيراً من ملفات الفساد فى مصر ومن بين هذه الملفات، الملف الأمنى والقهر الاجتماعى، والغلاء والفقر والعشوائيات وغياب العدالة الاجتماعية.. ولعل أبرز هذه البرامج: "فى الممنوع" للراحل مجدى مهنا، و"الحقيقة"، و"واحد من الناس"، الذى كان يطل علينا كل خميس بمآس أهون ما يقال عنها إنها إبادة جماعية غير منظمة تترجم لنا بصورة عملية فكرة "اليوجينيا" التى دعى لها كثير من أعداء الإنسانية فى أوربا وأمريكا، أمثال "برتراندرسل" و"وجوليان هوكسلى" و"رونالد فيشر" وغيرهم. والتى تدعو ببساطة إلى التمييز بين البشر، وانتقاء أنواع معينة للبقاء، والقضاء على الفقراء لأنهم لا يستحقون الحياة. ويضاف إلى ذلك ما طرحه برنامج "العاشرة مساء" من أشكال الفساد، التى تم مناقشتها بصورة منطقية وموضوعية.

ثالثا: شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت"، حيث تم تواصل الشباب على "الفيس بوك" و"تويتر" بالطريقة التى يجيدونها، وتم لقاؤهم فى هذا العالم الرحب، ذلك العالم الذى هرب إليه الشباب يبثونه همومهم وأحزانهم فى صمت. يعلمون أنفسهم بأنفسهم، ويتخذون أساتذتهم من بينهم.. هربوا إلى فضائهم الإلكترونى يبحثون عن بغيتهم، ويتجاذبون أطراف الحديث عن أحلامهم الضائعة فى صمت وهمس، يرون فى "خالد سعيد" تجسيداً حقيقياً لاغتصاب الآدمية، وانتهاك الكرامة، يصنعون بذلك وقود ثورتهم ولهيب بركانهم. يشحنون أنفسهم ليكونوا داخل نطاق الخدمة، فهم ينظرون إلى الكبار على أنهم خارج الخدمة منذ سنوات، بل خارج أسوار الحرية والحياة الكريمة.

رابعا: الدراما المصرية، والتى أسهمت بشكل كبير ومؤثر فيما نعايشه الآن من أحداث، وذاكرة السينما الحديثة تشهد بذلك فنحن لا ننسى فيلم "ضد الحكومة" الذى تطرق لمنظومة الفساد الحكومى فى مصر. وكذلك "الإرهاب والكباب" الذى طرح فكرة الاعتصام فى مجمع التحرير حتى تحقيق المطالب التى بدت بسيطة جدا، كما أبرز العمل الدرامى الترابط الشديد بين المصريين على جميع أطيافهم وقت الأزمات، ثم خروجهم متساندين حتى لا يقع بطلهم القومى فى قبضة الأمن. أليس هذا ما يحدث الآن فى ميدان التحرير على بعد خطوات من مجمع التحرير؟ وكذلك "مرجان أحمد مرجان" الذى أسفر وبوضوح عن قوة الرشاوى فى اختراق قيم المجتمع المصرى.

ولا نغفل فى هذا السياق الدراما الحارقة لخالد يوسف فى "حين ميسرة" الذى كشف فيه عن قنبلة موقوتة ألا وهى "العشوائيات". وبخصوص ملف القمع والقهر وفساد بعض عناصر الجهاز الأمنى، قدمت السينما المصرية عملاً من أجرأ الأعمال وهو "هى فوضى"، كما ناقش الكاتب "علاء الأسوانى" نفس القضية فى "عمارة يعقوبيان"، وكان يجب أن تنتبه الحكومة لهذا الإنذار.. ولكن لم يحدث!

أضف إلى ذلك "طباخ الريس" الذى يبرز الفساد المستشرى فى الحكومة، وقد يكون رئيس الدولة غافلا عنه، بسبب بطانة السوء و"عايز حقى" و"ظاظا" و"جواز بقرار جمهورى" وغيرها كثير.

ومن الإنصاف أن يُذكر مسرح الأستاذ "محمد صبحى" ودوره فى دق ناقوس الخطر فى العديد من الأعمال مثل "ماما أمريكا" و"تخاريف"، "وجهة نظر" وغيرها.

كل هذه الينابيع انبثقت عنها ثورة الغضب وكانت الوقود الحقيقى لثورة الخامس والعشرين من يناير، ومن ثم تم تصحيح مسار الديمقراطية من الأقوال إلى الأفعال، وكانت ثورة الشباب.

تحية من القلب إلى شباب مصر الواعد المستنير، تحية احترام لمن حققوا ديمقراطية حقيقية وليست قولية، تحية إلى جيل حر يعرف حقوقه، جيل طالما اتهمناه بالسلبية، ولم يرد لفترة طويلة، إلى أن جاء رده مدويا مزلزلا لأركان النظام فى مصر.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة