أعادت ثورة 25 يناير المصرية إلى أذهان المثقفين المغاربة مكانة مصر الثقافية والحضارية، وكانت بمثابة بارقة أمل لاستعادة مصر مكانتها ودورها الثقافى والحضارى فى المنطقة العربية، بل وفى العالم أجمع، ليتأكد للعالم أنه كلما تكثفت سحب الظلام على مصر انفجر الشعب بثورة أضاءت مستقبل الأمة العربية.
وفى هذا السياق عبر عدد من المثقفين المغاربة لــ"اليوم السابع" عن مدى سعادتهم بالثورة المصرية، وعن طموحاتهم وآمالهم تجاهها وما يتوقعونه منها، بعدما أكدوا على أنها ستعيد لمصر ريادتها الثقافية.
قال الشاعر عبد الله صديق: من المؤكد أن الثورة سوف تعيد صياغة مجموع العناصر المكونة للشخصية المصرية، وعلى أساس ذلك تأثير هذه الشخصية فى محيطها العربى، وهو ما سيعيدها ثانية لمرحلة الستينيات والسبعينيات وما عرف عنهما، ومن المؤكد أن الفاعل الثقافى المصرى "شاعرًا أو كتابًا" سوف يتنفس كمية أعلى من الحرية بعد هذه الثورة المجيدة، وهذا من شأنه أن ينعكس على نوعية وقيمة ما ينتجه هذا الفاعل.
وأضاف صديق: أتوقع أن تطفو إلى السطح أصوات جديدة بأثرٍ من قوة الرجة التى أحدثتها الثورة المصرية، فى المقابل سوف تسقط كثير من الديناصورات التى كانت تقتاد من مائدة النظام المخلوع وتبسط ثقلها على المشهد الثقافى المصرى، وسيكون أول شىء ننتظره بروز كتابات يمكن أن نطلق عليه أدب "ساحة التحرير" أو أدب "25 يناير"، واستشعر أنه سيمثل حساسية وقيمة مضافة لمصر ثقافيًا.
وقال د.محمد الشيخ أستاذ الفلسفة الدينية والسياسية بجامعة الدار البيضاء: أعتقد أن ثمة أملا كبيرا جدًا فى أن تستعيد الثقافة المصرية ريادتها فى العالم العربى، موضحًا "لأنه لوحظ فى الفترة الأخيرة بعض أفول أصابع هذه الثقافة، كما لوحظ بأن الدولة المصرية على العهد السابق كانت تتردد كثيرًا فى مناصرة قضايا محاكمة أهل القلم فى مصر، وتركت المثقفين يلقون مصيرهم أمام كل التحرشات والمحاكمات لاسيما باسم الدين".
وأضاف الشيخ "أتمنى أن يكون العهد الجديد واعيًا تمام الوعى بأنه لا سبيل إلى ترسيخ الديمقراطية، اللهم إلا بنشر ثقافة متنورة، مبنية على مبادئ حرية الضمير والتعبير".
وتابع الشيخ "يقول المثل الأوروبى من يريد الغايات عليه أن يريد الوسائل أولاً، وإذا ما أردنا لمصر أن تستعيد وهجها وتألقها الثقافى، فإنه لا بد من الاستمرار فى دعم الكتاب المصرى ووصل الجهود السابقة المتعلقة بسلسلة ألف كتاب وترجمات كل جديد ونقله إلى اللسان العربى، وهذا لا يعنى أنه على العالم العربى أن يبقى من الناحية الثقافية عالةً على مصر".
واستكمل الشيخ "ولكن لمصر تقاليد عتيدة فى الترجمة والتسويق، ولذلك لابد من احترام تجربتها المجيدة، بل لابد من الاقتداء بها والاحتذاء بحذوها، ثمة مسألة فى غاية الأهمية تتعلق بعلاقة السلطة بالمثقف، فحينما يصير المثقف فى ذمة السلطة فإنه يفقد استقلاله، ولكن حينما لا تحمى السلطة عبر قوانين حرية التعبير المثقف فإنه يشعر وكأنه قد تخلى عنه، أمام شراسة بعض أهل التعصب".
وأضاف الشيخ: أنا شخصيًا لا أؤمن بضرورة أن تعكس الثقافة بشكل حرفى الأحداث السياسية، ولا من الذين يؤمنون بعدم انغماس المثقف فى الشأن السياسى، الأمر يقتدى المنزلة بين المنزلتين، بمعنى أن تعكس الثقافة واقع المجتمع، ولكن أيضًا أن تفتح لهذا المجتمع نوافذ على إمكانات فذة، قد يكون هذا المجتمع نفسه غير واعٍ بها، ولا عالم بحقيقتها، آمل دومًا أن تتم هذه المزجة الفريدة والعجيبة بين الشأن المحلى والشأن الكونى، ومثلما أن بعض الأسماء تحتاج من وقت لآخر إلى أن تتنفس خارج المياه وتعود، لتغطس من جديد؛ فكذلك أرى أنه لا ثقافة يمكنها أن تبقى محلية كل المحلية باسم خصوصية مزعومة، ولا عليها أن تنسلخ كل الانسلاخ عن واقعها باسم كونية مزعومة، إنما الثقافة ما جمع بين المحلية والكونية فى مزجة خاصة.
وقال الباحث والناقد يوسف محمد شفقى: أعتقد دائمًا بأنه لا ثقافة ولا أفق للتفكير الصحيح المتجدد إلا إذا كانت هناك أجواء حرية للتعبير دون تجاوز الحدود الحمراء لهذه الحرية، لذلك فإن مثقفى النهضة المصرية ممن قرأنا لهم ونحن صغار أمثال "نجيب محفوظ، توفيق الحكيم، طه حسين، وآخرين كثيرين" لم يكونوا روادًا إلا بتحقيق هذا الأفق والهامش من الحرية الثقافية والفكرية التى كانوا يهتمون لها.
وأضاف شفقى "ولذلك فالأمل معقود بعد سنوات من الحظر الثقافى والمضايقات التى نالت مجموعة من الأدباء المصريين بلا ذكر أسمائهم لأنهم كثيرون، ولهذا فإن التحول الذى شاهده العالم أجمع من شأنه أن يتيح من جديد أجواء لهذا التنفس الإبداعى الذى من المؤكد أنه سينتعش فى ظل هذا التحول الجديد".
وتابع شفقى: من المؤكد أن كتابات عديدة سوف تظهر فى مجالات الإبداع المختلفة بشكل عام؛ وسوف تؤرخ لهذه المرحلة فكريًا وإبداعيًا لثمرات وعطاءات ستكون نفعًا جديدًا وطريقة أخرى تبصم جيلاً ومرحلة بينهما.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة