اليوم واليوم فقط أستطيع القول بأن الأمة العربية وليست مصر فقط استعادت كرامتها وحريتها واسترجعت هيبتها و مكانتها فحطمت الطوق الذى أسر ها ولجم لسانها وكبل فكرها وجمد عقولها وأثلج شعورها.
فعلها المصريون مرة أخرى بعد ثورة الكرامة فى تونس، خلعوا الطاغية مبارك معلنين بذلك ولادة مصر حرة بعد مخاض عسير وعملية قيسرية انتهت بانتصار الشعب على تشبت وعناد النظام المستبد.
إنها ثورة غير مسبوقة فى تاريخنا المعاصر، بلا قائد ولا زعيم ولا حتى مشروع أو برنامج بل هى ثورة عفوية وتلقائية، ضد الظلم والقمع والمنع ضد الفساد والرشوة ، ضد الفقر والتهميش والإقصاء، ضد الاستلاب والاستغلال والاستعباد، إنها ثورة العزة والكرامة والحرية ولا شك بأن ارتداداتها ستكون قوية على المنطقة العربية ككل وستكون إحدى نتائجها تعكير صفو المشاريع الصهيونية ووقف سلسلة التنازلات العربية للكيان الصهيونى وكبح التمدد الفارسى والتركى على حساب مصالح الأمة العربية.
إنها ثورة حضارية راقية انبهر بها العالم لتميزها وتفردها واختلافها الشاسع عن البولشفية فى روسيا والثورتين الفرنسية والإنجليزية فى أوروبا وكذلك عن الخمينية الدينية والأتاتوركية العلمانية، إنها ثورة استرداد الحقوق المهضومة والمكانة الاقليمية والدولية المرموقة، ثورة على الخوف الذى عشعش فى الصدور والوهن الذى سكن النفوس والجبن الذى فاحت رائحته حتى ازكمت الانوف،ثورة حققت الحلم الذى كاد أن يتحول إلى كابوس.
إنها ثورة على الفساد المستشرى والمؤسس الذى نخر جسد هذه الامة وعلى المحسوبية والزبونية المتفشية وسوء التسيير والتدبير والاوضاع المزرية والبنية التحتية المتهالكة ، ثورة على البطالة والسكن والتطبيب، ثورة على السياسة التعليمية المتخلفة المستهلكة التى لا تنتج سوى مواطن عاجز على الانتاج والخلق والابداع ، ثورة على الخصخصة وسياسة الاقتصاد الريعى ونشر الثقافة الاستهلاكية التى حولت أبطال حرب أكتوبر وبناة السد العالى إلى شعب متسول ومجتمع متواكل أحبطه الخطاب الانهزامى فانعدمت فيه روح العمل والمنافسة ويسعى لكل ماهو جاهز، ورة على الخطاب الهويامى وعلى اللغة الخشبية المقيتة وتسطيح العقل المصرى واستغباءه، ثورة على كل الأراضى النفسية المخيفة والفوبيات المريعة، إنها ثورة على النخبة المثقفة المرتهنة التى سعت جاهدة لتحريك ذلك البركان العاطفى والمثقل بالكبت النفسى والفكرى والعواطف السلبية وإثارة الغرائز وتهييج العواطف وتصويب أقلامها لقضايا صغرى فيها حساسيات كبرى متخليين عن رسالتهم العظيمة، إنها ثورة ضد أصحاب الفكر الرجعى والدينى الرديكالى الذى يستند إلى مفاهيم خاطئة وأحاديث مرسلة غير عابئ بمقاصد الشريعة ولا بفقه الموازنات إنما همه الوحيد هو رضى الوالى وكرمه الذى يعلو على المصلحة العامة والتقدير الوطنى، إنها ثورة على السياسة المتخلفة المتخاذلة التى جعلت من النتائج أسبابا ومن المسكنات علاجاً، إنها ثورة على التبعية العمياء للغرب إلى درجة العمالة والذل والانحطاط لدرجة الديوتية، ثورة على كل الانظمة المستبدة الصماء التى لا تسمع أنين فقراءها ونحيب ثكلاها وعويل طبقاتها المقهورة وبكاء مرضاها وصراخ شبابها ذوى الأفق المسدود والصدر المخنوق والامل المفقود، ومستقبله يلفه الغموض ثورة على الخيانة العظمى للوطن والإرهاب المنظم والجرائم ضد الإنسانية، ثورة ضد اللصوصية والعهر الثقافى والاجتماعى والاستمناء السياسى، ثورة ضد التركيع وسياسة الابتزاز إنها ثورة الحرية التى عرت وجه النظام الفرعونى المتغطرس وكشفت عورته ونزعته البربرية وسلوكه الهمجى نحو شبابه الثروة الحقيقية لاى بلد،إنها ثورة.
اكتشفنا من خلالها عظمة الشباب الرائع الذى نفخر به ونعتز بما صنعوه من مجد لمصر ولوطننا العربى، تحية حب وإخاء ووفاء للشهداء الأبرار، تحية تقدير واجلال للمناضلين الأبطال تحية لخالد سعيد ملهم الثورة ومشعل شرارتها فطوبى لهم جميعا وأسكنهم الله فسيح جنانه.. وطوبى لمن اتعظ واستوعب الدرس واهتدى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة