السيد خضرى

هنا ميدان التحرير.. حضن الوطن

الخميس، 17 فبراير 2011 07:01 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هنا . ميدان التحرير .. حيث انصهرت الألوان والاتجاهات الفكرية والعقائد الدينية .. هنا كل المتضادات تلتئم وتتعانق .. " البارود " سوط النظام السابق يعانق " دماء " الشهداء .. الإخوان يعانقون اليسار .. الفقراء يتقاسمون قطع الجبن والخبز مع الأغنياء متهكمين على حرب التخوين والشائعات مرددين "أنا مندس أنا مندس .. أنا عايز كنتاكى وبس" .. الجميع احتل جزءا من الميدان والميدان أصبح صورة مصرية خالصة .. قانونها العرفى لمواجهة بذور الفتنة " إيد واحدة " يردده الجميع فيتعانق المتشاحنان .

"قوة عزيمة إيمان .. ثورة عظيمة فى كل مكان" شعار يردده المعتصمون عقب صلاة الفجر خلال الطابور الرياضى الذى يعلن فيه الثوار " لسه فينا صحة .. حتى تتنحى " . .. شعارات تخفف من دموع ذلك الرجل السبعينى الذى ظل يردد مع الثوار " يا حبيبتى يا مصر يامصر .. ياحبيبتى يامصر يامصر " ..

الآن أشعر بالبرودة تنساب تحاول أن تخترق الميدان يقاومها الثوار بالارتماء فى حضن الوطن .. وحول شعلة من النار دار الحديث لم نعرف اسماء بعضنا البعض إلا أننا تلاحمنا وتعانقت الأحلام والأجيال والخبرات لنتفق على أن " أخطر مافى الثورة مابعد الثورة " .. وأن " البلد بتنظف نفسها بنفسها " ، تتخلل كلماتنا احدى الفتيات تحاول التقاط بعض أعقاب السجائر من حولنا ، وصوت مجموعة من الشباب يرتفع فى سكون الليل بالدعاء وصوتا يأتى من الجانب الآخر للميدان عذبا يتغنى بكلمات الشيخ إمام :" دور يا كلام على كيفك دور خلى بلدنا تعوم فى النور وارمى الكلمة فى بطن الضلمة تحبل سلمى وتولد نور" .

فى الميدان جاء مؤمن محمد 33 عاما جاء من قرية شطا بسوهاج لا يملك سوى 17 جنيها ونصف لم يسافر فى حياته قط إلى القاهرة وقف متحديا البلطجية والقناصة فى موقعة " الجمل " كما تعارف عليها الثوار، مرتديا خوذة فوق جلبابه الصعيدى ، لا يشتكى الفقر أو ضيق ذات اليد لكنه جاء ليثأر لدماء الشهداء لا تربطهم به إلا ثلاثة حروف ضمها فى صدره وحفرها على قلبه " مصر" .

فى الميدان .. محمد ذو العشرين عاما من إحدى قرى محافظة الفيوم ، لم يعرف نبأ استشهاد أخيه الحسينى قرنى 16 عاما سوى فى الميدان، فقد طالت غيبته فهبط للميدان يبحث عنه بين الثوار ليفاجأ بصورته معلقة بين الشهداء لم يستطع العودة لبلدته وكم تمنى لو عاد الزمن به قليلا ليودعه أو ليحتضنه هو لا يعرف أين دفن مرددا :" الشعب دفنه " ، ولا يدرى كيف سيخبر والدته بالنبأ ، محتفظا بعادته الميدانية " النوم أسفل الصورة وإشعال الشموع كل ليلة" .

للتاريخ ... أصبح ميدان الشهداء " التحرير سابقا" شاطئى الذى ألجأ اليه كلما قذفتنى الأمواج .. مشاعر الخوف التى كانت تحاصرنى كلما مررت باحدى اللجان الشعبية " المزيفة " كانت تتبدد كلما اقتربت من دفء الميدان .هناك حيث لا أسماء لا أحزاب لا يوجد غنى وفقير عبد وسيد .. الكل تبدلت أسماءه وصفاته ليصبح شيئا واحدا " مصرى " . فى الميدان انصهر المجتمع فى عنق الحرية .. هاتفا بعلو صوته " مدد مدد مدد شدى حيلك يابلد " .. وكلما تأخرت لحظة الميلاد هتف الأحرار :" شدى حيلك يابلد الحرية بتتولد " .

الكتابة لا تملك نارا وبارودا .. لادم يسيل منها .. لا أرواح تتساقط فيها .. فى الكتابة شيء من التوثيق للتاريخ .. وأشياء من الظلم للأحداث .. عندما أبحث فى الذكريات عن مشهد لأرويه سأظلم حتما باقى المشاهد .. عندما أكتب عن التضحية سأظلم الصمود .. وإذا ما صاغت الكلمات روح التكافل والتآلف سأظلم انكار الذات .. الكل كان بطلا الكل كان عظيما ..الكل الآن يحتفل بالنصر ويستعد للبناء ..





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة