سهام ذهنى

كل واحد أهم واحد

الخميس، 17 فبراير 2011 07:49 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄ رجال الشرطة السرية طاردوا رجالا متوجهين إلى التحرير فاحتموا بفندق وأنقذتهم امرأة
من مشاهد الثورة وتصميم المشاركين فيها على التكاتف دون أن يعرف أى منهم الآخر معرفة شخصية، ودون أن ينتظر شيئاً فى المقابل، هو مشهد كان قد رواه لى ابن خالى محمد مبارك نبراوى، حول ما تعرض له فى «جمعة الغضب» من اعتداء عليه بالضرب، هو ومجموعة من الثوار على يد الأمن الذين يرتدون الملابس المدنية لمنعهم من التحرك للخروج من شارع الهرم متوجهين إلى ميدان التحرير، حيث كان رجال المباحث قد بدأوا فى اختطاف مجموعة من المتظاهرين فى الصفوف الأولى بالمظاهرة لتفرقة الباقين، وكان «محمد» وعدد من الثوار فى الصفوف الأولى قد أفلتوا منهم، وأخذوا فى الجرى إلى أن وجدوا أنفسهم إلى جوار أحد الفنادق بالهرم، فأشار لهم بعض العاملين فى الفندق بأن يدخلوا سريعاً، وما إن دخلوا حتى وجدوا إحدى السيدات تصحبهم إلى «السونا» وتغلق الباب، ثم من خلف الباب سمعوا صوت عدد من رجال الشرطة السرية الذين كانوا يطاردونهم يقومون بالبحث عنهم، وقبل أن يدخل هؤلاء إلى «السونا» سمعوا صوت السيدة التى أدخلت الثوار تقول لمن يطاردهم إن بداخل «السونا» عددا من السائحات وإن الدخول عليهن فى هذه الحالة قد يترتب عليه أن يتوجهن بالشكوى فى سفاراتهن ضد الأمن فى مصر، عندها خرج رجال الشرطة السرية من الفندق وأعمى الله بصيرتهم، وأنقذت تلك السيدة عددا من الثوار لا تعرف أيا منهم من قبل، معرضة نفسها للخطر سواء على يد الأمن، أو على يد المسؤولين عن الفندق الذى تعمل فيه.

الحكاية السابقة مع روعتها وتلقائية السلوك خلالها، إلا أن جمال المغزى فيها قد ازداد وتجلى حين سمعت من متظاهر آخر أنه قد مر بموقف شبيه تماما بالموقف السابق، وأنه كان قد دخل إلى أحد الفنادق للاحتماء من المخبرين السريين، وأن هناك سيدة بالفندق قد أدخلته إلى «السونا» للاختباء، إنما المدهش أن هذه الحكاية قد جرت أحداثها فى أحد الفنادق المطلة على النيل فى «جاردن سيتى».

إلى هذه الدرجة من النقاء كان أفراد متعددون من أفراد الشعب المصرى يتكاتفون ويعرضون أنفسهم للخطر دفاعاً عن أفراد لا يعرفونهم شخصيا لمجرد أنهم من الثوار.
المدهش أن التصرفات التلقائية المتحمسة المصممة كانت تتكرر بدون اتفاق مسبق، وبدون خطط قد سبق إعدادها أوالاتفاق على خطواتها.

وقد شهدت بنفسى أحد تلك المشاهد التى كنت طرفاً فيها صباح الخميس التالى مباشرة لما صار معروفاً بمعركة الجمل والخيول التى قام خلالها بلطجية قد اعتاد الحزب الوطنى على استئجارهم بالاعتداء على المعتصمين فى ميدان التحرير.

ففى صباح اليوم التالى اتصلت بمستشفى الدكتور أحمد شفيق، وطلبت من الدكتور على شفيق أن يتبرع المستشفى بمستلزمات طبية، على أن أتبرع أنا بمهمة توصيلها إلى المستشفى الميدانى بميدان التحرير بعد أن صار معروفا مع ازدياد الإصابات التى تعرض لها المعتصمون أن المستلزمات الطبية بالميدان على وشك النفاد. على الفور رحب الدكتور على شفيق، وحملت فى سيارة أجرة كيسين أشبه بالجوالين من اللون الأبيض الشفاف ممتلئين بالمحاليل الطبية والخيوط الجراحية والمطهرات والغيارات المعقمة وغيرها. كان سائق السيارة الأجرة العجوز قد استأذننى حين أوقفته بأنه سيضطر لإنزالى عند أقرب نقطة يستطيع الوصول إليها لأن البلطجية يحاصرون الطرق المؤدية إلى ميدان التحرير، قلت على بركة الله، وكانت النقطة هى على مدخل كوبرى الجلاء الذى رأيت أمامه عدداً كبيراً من الناس المتجمعين، وما إن قمت بإنزال الجوالين على الأرض حتى اقتربت منى فتاة وهى تسألنى باستبشار مشوب بالقلق: «هل هذه أدوية؟»، قلت: نعم، قالت: «الله معك، احترسى من البلطجية، لقد ألقوا بأدوية فى النيل منذ قليل»، وما إن حذرتنى بمحبة حتى وجدت أكثر من رجل يقترب منى ويتوالى كل منهم بالتحذير لى، إنما بصياغة تهديدية هى: «روّحى علشان ما تتبهدليش».
بعدها فوجئت فى لحظة خاطفة بشخص مجهول لم أتبين ملامحه بدقة قد قام مستخدما آلة حادة بشق أحد الجوالين اللذين كنت أحملهما مبعثراً محتوياتهما على الأرض، بينما الرجال الآخرون يواصلون النصيحة التهديدية: «روحى علشان ما تتبهدليش»، فوجدت صوتى كأنه قد صار منطلقا عبر مكبر للصوت وأنا أصيح: «بل سأذهب إلى ميدان التحرير بالأدوية، ولو على جثتى».
عندها وجدت شاباً لا أعرفه يقوم بفرد ذراعيه بجسارة ليحجز بهما بينى وبين الموجودين وهو يصيح: «دى أمى، لا أحد يقترب من أمى»، وقام بتوجيهى باتجاه حاجز الجيش، فأصبح الحاجز يفصل بيننا وبين الذين يحاولون منع الدواء والطعام والماء عن المعتصمين، كما يفصلنا عن عدد آخر من المواطنين العاديين العابرين فى المكان الذين أخذوا يجمعون الأدوية التى كانت قد تناثرت على الأرض، ويقومون بإلقائها فى اتجاهنا لنتلقاها ونضعها فى الجوال الكبير الذى قمنا بإعادة ربط أطرافه.
الأمر الذى أضاف جمالاً إلى المشهد هو وصول سيدة أخرى تحمل أكياسا ضخمة من الأدوية، فإذا بالبلطجية يستقبلونها بالتهديد الذى استقبلونى به، وإذا بها تكرر فى وجه البلطجية ما سبق أن قمت أنا به وكأن هناك اتفاقا مسبقا بيننا على أن البلطجية رغم قوتهم إلا أنهم مثل الكلب القادر على أن يشم رائحة الخوف، فيهاجم من يرى الخوف فى عينيه، لأن قوة البلطجى تصبح مشلولة أمام من يرى فيه الاعتماد على أنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، حيث صاحت السيدة فى وجههم بجسارة بعد أن قطعوا لها هى أيضا كيس الأدوية، فتخطت محاولة تخويفهم لها، ووصلت إلينا عند حاجز الجيش، بعدها كأن قطارا قد توقف فى محطة وتتابع نزول الركاب منه حاملين أحمالا معهم، حيث توالى بأعداد ملحوظة وصول أفراد جاء كل منهم وحده ببسالة معرضا حياته لأخطار البلطجية، كل هذا من أجل توصيل دواء أو طعام أو ماء لإخوة له لا يعرفهم شخصيا.
نحمدك يارب.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة