أحمد حسن عوض يكتب: الثورة والميلاد الجديد

الخميس، 17 فبراير 2011 05:31 م
أحمد حسن عوض يكتب: الثورة والميلاد الجديد جانب من مظاهرات التحرير

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع قبل قيام ثورة 25 يناير العظيمة أن ينهار النظام السياسى العتيد الذى ظل يحكم مصر ثلاثين عامًا فى أقل من ثلاثة أسابيع بهذه السرعة الفائقة التى تعد معجزة بكل المقاييس فى حساب التاريخ، وهى فى تصورى معجزة لا تقل روعة وجمالا عن معجزة حرب أكتوبر المجيدة، فقد تجلت عبقرية الشعب المصرى الأعزل الذى استطاع "الصمود"، فتحققت له "الحياة"، عبر ثورة بيضاء أذهلت العالم على كل المستويات والأصعدة.

ولا أعتقد أننى سأضيف جديدًا إذا رحت أتحدث عن تفاصيل المشهد الثورى، الذى عشناه مشاركة ومشاهدة وقراءة وتأملا عبر أيامه المتتابعة المليئة بالبطولات والتضحيات، المشحونة بالآلام والضحكات، المطلة على الأحلام والتوقعات؛ لكننى أود أن أستشرف أفق الآتى، وأحلم بأن تتحقق النهضة المجتمعية المبتغاة.

لقد تحققت المعجزة وتغيرت النظرة وحزنا الاحترام، لكننا فقط فتحنا الباب لنصبح على أعتاب طريق شاق طويل يحتاج إلى التكاتف والإيثار والتضحية، يحتاج إلى استلهام روح الثورة التى أضاءت جسد المجتمع.

وإذا كنا قد نجحنا فى مرحلة "الهدم" عبر تقويض كل رموز الفساد التى ظلت جاثمة على صدورنا فترات طويلة لم نستطع فيها أن نتنفس هواءً نقياً فإن الأهم هو "البناء" بناء الإنسان والوطن على حد سواء.

إن الشهداء الذين قدموا أرواحهم قربانًا لقضية الوطن الكبرى لم يقوموا بذلك الفعل الشجاع النبيل لكى تتحول الثورة إلى انتماءات طائفية ضيقة أو إضرابات واعتصامات فئوية تهدد بتوقف العمل وشل حركة المجتمع واستمرار النزيف الاقتصادى، وتكرس لفكرة الأنانية والنظر تحت القدم فقط دون القدرة على الحلم بأفق اجتماعى مشرق بوعود ستتحقق إذا تغيرت النظرة وتطور السلوك، دون أن يعنى هذا إطلاقًا التقليل من شرعية المطالب أو عدم الإقرار بتعرض أغلب هذه الفئات لظلم اجتماعى واقتصادى فادح، جعلهم يشعرون بالمرارة بعدما أدركوا التفاوت الرهيب فى الأجور وفى توزيع ثروات الوطن ومكتسباته.

إن الاعتراض ينصب فقط على اختيارهم لتوقيت حرج تعبره البلاد فى تلك المرحلة؛ فمصر لا تملك عصا موسى القادرة على تغيير طبائع الأشياء فورًا أو تحقيق المطالب هنا والآن؛ إنها تبدو فى ذلك الوقت كالجسد المنهك الذى يحتاج إلى وقفة لالتقاط الأنفاس ولا يصح مطلقًا أن نطالبه بمواصلة العدو قبل أن يأخذ قسطًا مشروعًا من الراحة والنظر والتأمل لتحديد الأهداف والبدء بالأولويات.

ويقينى أن مشاعر الانتماء والمحبة والشفافية والنزاهة غير المسبوقة التى جسدتها الثورة الشابة الفتية ستخلق
"الروح الحضارية العامة" التى نحلم بها جميعا وستتحقق كل المطالب المشروعة إذا استمر كل منا فى "ثورة فردية"، تتمم معنى "الثورة الجمعية"، ثورة تنطلق من شجاعة مواجهة النفس، ونبل الاعتراف بالأخطاء، وسعى مستمر للتجدد، وحلم دائم بالميلاد الجديد، ثورة بها من "النور" أكثر مما بها من "النار"، ثورة مشغولة بفكرة الواجبات قبل الحقوق وفكرة البناء بعد الهدم؛ فمعنى النهر لا يكتمل إلا بوجود الضفتين.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة