كيف لمثلى أن يتوقع عودة حميدة ونقية وطاهرة لجهاز الشرطة، لهؤلاء الذين اعتاد أكثرهم أن يكونوا فوق الناس.. كيف يعقل أن يتحول هذ الجهاز بما يضمه من قيادات فاسدة فى شتى الشرائح من لواءات ورتب وأمناء إلى أداة للحق والفضيلة والعدل، بعد أن عانينا أشد المعاناة وهم يتوغلون فى عهد الرئيس السابق الذى اعتبر هذا الجهاز حصنا وأمنا وأمانا لسلطته ورجاله وعائلته، وتحول إلى أداة للتنكيل بالمعارضين، ثم أداة للتنكيل بالشعب، ثم أداة لترويع الشعب، حتى وإن حدثت المعجزة وطهر هذ الجهاز نفسه، فماذا سيفعل الفاسدون منهم وكيف سيحتويهم المجتمع.
كيف أصدق ضابط شابا يقسم بأغلظ الإيمان أنه وزملاءه بريئون من كل نقطة دم سالت على أرض مصر أثناء الثورة وقبلها، محملاً قياداته ما حدث، فى الوقت الذى فيه صور القتلى والجرحى وفيديوهات الاشتباكات تحكى أبشع وأشرس جريمة حدثت على أرض مصر أقدموا عليها بدم بارد ثم تنصلوا عنها بدموع التماسيح، ملحمة الثورة سجلت دون تزييف أو خداع أو تلوين مثلما فعل زبانية النظام وإعلامه، أن الذى كان يضرب ويبطش هم هؤلاء الذين يتنصلون ويكذبون، فلم يكن سائقو سيارات الشرطة ومدرعاتها التى دهست المتظاهرين سوى ضباط وجنود الشرطة وليس قياداتهم.. ولم يكن القناصة الذين ركبوا أعلى العمارات فى منطقة التحرير هم حبيب العادلى وإسماعيل الشاعر إنما كانوا هم الذين شاهدناهم يبكون فى الفضائيات راجين الشعب أن يسامحهم.
كيف نسى هؤلاء حفلات التعذيب التى كانوا يقيمونها فى ساحات سجون الوادى الجديد والفيوم ووادى النطرون ودمنهور وطره وأبو زعبل لآلاف المعتقلين من الشباب والعواجيز بأبشع الوسائل، والتى وصلت إلى انتهاك أعراضهم.. لماذا لم يسأل هؤلاء الشباب من الضباط وبعض القيادات التى سمَّت نفسها بالشريفة أنفسهم ما مغزى الأوامر والتعليمات الواردة لهم بتصوير هذه الحفلات بأحدث كاميرات الفيديو.. لماذا لم يرفضوا أو ينتقدوا أو حتى يعلنوا تضجرهم من الذى يحدث، فما معنى أن يعلنوا الآن بعد أن سقط الصنم بأنهم لم يكونوا راضين عما يجرى.
أعرف أن الكثيرين تعاطفوا مع دموعكم وتجاوبوا مع حججكم، ولكن ما زلتم متورطين.. متورطين عندما ألغيتم عقولكم وتركتم أنفسكم لنظام يسوقكم كيف شاء.. متورطين عندما تعاملتم مع الناس بهذا الصلف والكبر لشعوركم بأنكم فوق الجميع.. متورطين لأنكم شاركتم وأنتم فى كامل قواكم العقلية، وإلا فلماذا لم يطلق ضابط أو مجند بالجيش رصاصة على الشعب.. متورطين بهذا الفساد المريب الذى نخر فى عظام جهازكم، وحول صغاركم إلى مليونيرات وكباركم إلى مافيا وتجار للأراضى والآثار.. إنكم كنتم جزءاًَ من هذا النظام البائد الذى أذاق الشعب الويلات، ورغم علمنا بأهمية وجودكم ودوركم، أنتم تحتاجون إلى معجزة لنصدقكم ونثق فيكم.
نحن لا نتمنى أبداً تكسير أو تعجيز أو إضعاف هذا الجهاز أو إهانته فى المرحلة القادمة، بل نتمنى من الله أن يجتاز محنته لتطهير نفسه وتحسين أدائه بأن يعمل على محاربة المرضى بداء "العظمة" من عناصره التى تسىء إلى هذا الجهاز بكامله، وتزلزل كيان الشرطة بحيث لا يصبح الطالب الفاشل الحاصل على 60% بالثانوية العامة، والذى دفع له والده رشوة ضابطاً يعيث فى الأرض فساداً لترويع الناس بدلا من خدمتهم.