من يدخل إلى مقر دار ميرت للنشر بشارع قصر النيل سيتأكد أنها ليست دار نشر كتب فحسب، معظم كتاب مصر ومفكريها يعتبرونها بيتهم، إن هاتفت أحد الأدباء وقال لك إنه فى "ميرت" فلا تستعجب، وإن اتفق معك أحدهم على لقاء داخل الدار، فهذا ليس بغريب، وإن حللت بها فجأة فستجد العشرات من الأدباء والفنانين مكدسين بها رغم ضيق المكان، وإن رأيت بياناً ساخناً يعبر عن آلام الأدباء وآمالهم، فتأكد أن ميرت مصدره، قل إنه اتحاد كتاب وفنانين موازٍ، أو بيت المثقفين المصريين المختار، أو استراحتهم فى نهارات الصيف ومساءات الشتاء، قل ما تريد عنها، فإنها "ميريت" كانت ومازالت علامة للحرية ومناراً للفكر الوطنى المستنير.
مع كل ما سبق ليس بمستغرب أن يكون لدار ميريت موقف وطنى رائع منذ أول يوم لاندلاع ثورة 25 يناير وحتى وصولها إلى بر الأمان وتحقيق أغلب مطالبها، فالطريق الذى بدأه محمد هاشم صاحب دار ميريت فى تبنى الإبداعات الشابة والكتابات الجديدة التى تتخذ من الحرية منهجاً فنياً وفكرياً اتضحت معالمه فى ميدان التحرير القريب من مقر الدار، كان المثقفون والفنانون يذهبون إليه كل يوم قبل دخولهم إلى الميدان واعتصامهم به، وكان استراحتهم إذا تعبوا وعيادتهم إذا أصيبوا وبيتهم إذا غالبهم النوم، ومجلسهم إذا ما فكروا فيما سيفعلونه حيال التطورات المستجدة على أرض الميدان، على مدى ثمانية عشر يوماً لا يوجد مكان لقدم، لكن الذين تقاسموا الرغيف وشربة الماء كانوا يعرفون كيف يتقاسمون "بصلة المحب" محمد هاشم، التى أصبحت أشهى وأحلى ما فى الثروة وأحداثها.
"أصيل يا هاشم" كلمة قالها معظم من مر على داره الصغيرة حجماً والكبيرة قيمة ومقاماً ووجدوا فيها براحاً بخلت به علينا دولتنا البائدة، أكثر من ألف رغيف يومياً كانت تخرج من دار ميريت للثوار والمعتصمين الذين ضيقت عليهم الدولة الخناق وكادت أن تحرمهم من المأكل والمشرب ليموتوا جوعاً، لكن أمثال محمد هاشم وأصدقائه لم يعترفوا بهذا الخنق المادى والمعنوى وأخذوا يتقاسمون اللقمة والهواء والماء، ذات يوم رأيت محمد هاشم وقد هده الإعياء وأوشكت أمواله التى كان يدخرها استعداداً لمعرض الكتاب، فقلت له: مش كتير المصاريف دى عليك؟ فرد بعفوية وأصالة: يا أخى دنا حاسس أنى بسدد دين عليا لمصر ولجيلكم، دنا مش مصدق أنى عشت لحد ما شوفت الثورة اللى كنت بحلم بيها، فتبادلنا العناق وقلنا فى نفس واحد "يا رب تكمل على خير".
كملت الثورة والحمد لله على خير، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، فألف شكراً لكل آل ميريت التى أصبحت أحد أجمل بيوت الثورة وأيقوناتها، وشكراً لبنات محمد هاشم "ميرت" و"حبيبة" و"دينا" ولزوجته "نجلا" اللاتى شعر كل واحد منا بأنهن بناته أو أخواته، وشكراً لكل العاملين فى ميريت "سمية ورامى اليافى وعبد الله وأحمد ورجب وصباح"، الذين تحملونا وتحملوا مللنا وعانوا أشد العناء فى توفير العيش والجبن والفول والشاى للمعتصمين، فكانت سندوتشاهم أحلى ألف مرة من الكنتاكى المزعوم، وطبعاً شكراً لمحمد هاشم الذى أجل الاحتفال بعيد ميلاده لعكوفه على خدمة مصر التى يريدها، والذى لم يبخل بوقته ولا داره ولا أمواله على ثورتنا الطيبة، وثورة حلوة يا جميل.