خالد العسقلانى يكتب: شكرا للثورة

الإثنين، 14 فبراير 2011 02:12 م
خالد العسقلانى يكتب: شكرا للثورة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أسجل اعتذارى لكافة الشعب المصرى بكل طوائفه، وبكل طبقاته وأعماره.. أسجلُ اعتذارى، لأننى دائما ما اتهمت ذلك الشعب بأنه لا أمل فيه.. دائما ما اتهمت ذلك الشعب بأنه سلبى وأنه كالضفدعة القابعة فى المياه التى تسخن شيئا فشيئا إلى أن تصل لمرحلةٍ مميتة والضفدعة الباردة البليدة قابعة فى مكانها وتموت فى سلبيةٍ واستسلامٍ وخمود.. الشعب المصرى لم يعد مندرجا بعد الآن تحت نظرية الضفدعة.. الشعب المصرى غادر المياه الساخنة وانتفض عنها وقال بعلو الصوت: "لست بالشعب السلبى.. لست بضفدعة"!.

الجميع تحدث فى هذه الأيام عن النتائج السياسية والميدانية لـ"ثورة" 25 يناير، تحدثوا عن الإطاحة برئيس الجمهورية، وعن تعديل الدستور، وإعادة الانتخابات، وإقالة الوزراء، وتجميد حساباتهم، وعن رئيس وزراء نزيه، ومحاكمات للجناة.. ولكن هناك نتائج لا بأس بها للثورة ليست تابعة لا للسياسة ولا للميدان، ولكنها مهمة للغاية.. كان أهمها تلك الإيجابية التى أعلنها الشعب المنتفض.

أحد هذه النتائج الأخرى هى نظرة المجتمع للشباب، فعندما كان يجتمع عليه القوم ويجلسون بينهم ويتسامرون ولم يكن للشباب نصيب من الحديث طبعا.. كانوا ينظرون للشباب كأنهم تلك الكائنات التافهة ذات الملابس العجيبة (الجينز، والتى شيرت)، والكلام العجيب (سيس، والسنين) والتفكير العجيب والاندفاع والتهور.. وينظرون إليهم نظرةً فوقيةً كأنهم لا رجاء فيهم ولا أمل، ولا يُنتظرُ منهم إصلاح وأنهم سبب المشاكل كلها، وأنهم لا يقدّرون قيمة الوطن ولا قيمة ترابه، هم فى نظرهم شىء أهوج وطائش لا يعرف شيئا عن الحياة وخبراتها وأمامهم الكثير ليتعلموه ثم يكون لهم الحق فى الحديث أو المشاركة.

تلك النظرة أصبحت الآن إلى زوال، وأصبحت نظرة الاحترام تلاحق كل شاب فجّر هذه الثورة أو لم يفجّرها، وغيروا الآن فقط تلك الفكرة الساذجة عن الشباب وعدم تقديرهم للوطن، وأصبح المجد يلاحقُ الشباب، وأصبح لهم مكان فى الفضائيات، وأصبح من المتوقع والمنتظر أن تجد وزيرا شابا ومحافظا شابا، حتى أنه يجرى حاليا مشروع تعديل مادة من الدستور لتسمح للشباب فوق 21 سنة أن يترشحوا لانتخابات الرئاسة.

الآن ندرك قيمة الشباب.. الآن فقط ندركها ككل دول العالم المتقدم.

وهنا نظرة أخرى تغيرت: نظرة المجتمع والناس للإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى، تغيرت نظرة المجتمع للفيس بوك ولـ"شباب الفيس بوك".. ذلك المصطلح الذى كان يُعدُ سبا وقذفا منذ أسبوعين أصبح رمز ثورةٍ وإصلاح.. والحق أن "شباب الفيس بوك" كان مظلوما، فكبار السن المتغطرسون ما كانوا ليعرفوا الفيسبوك ولكنهم بالطبع توقعوا أن يكون شيئا تافها ساذجا كمستخدميه.. والآن يعلمون خطأهم .

أظن أحد النتائج الأخرى للثورة سيكون اختفاء مصطلح "الشعب المصرى..."

"أصل الشعب المصرى.. سلبى"، "الشعب المصرى طول عمره.."، "الشعب المصرى... بيفتي"، "لأ الشعب المصرى ...أهبـ"، وكأن كل هؤلاء الذين يتحدثون عن الشعب المصرى ليسوا من الشعب، ولو كان كل هؤلاء يتحدثون عن الشعب وينتقدونه فمن يكون الشعب إذن؟

أظن الشعب المصرى بريئا من هذا وذاك، وقد نطق وأثبت أنه إيجابى وشجاع وواعٍ ومثقف وراقٍ ومجتهد ومتطلع، ولن يتهمه أحد بعد الآن .. ومن يتهمه فهو المتهم.

عرفنا خلال الأيام الماضية أيضًا أحبابنا.. نعم عرفناهم وحفظناهم، وعرفنا أعداءنا كذلك وحفظناهم... عرفنا الإعلام الحبيب، والإعلام العدو أيضا.. عرفنا من يستخف بعقولنا ومن يضللنا، ومن يظن أننا هنود.. ومن يصّور كوبرى قصر النيل الشاغر الجميل، بينما المظاهرات فى التحرير تشتعل عن آخرِها.. ليقول إن كله تحت السيطرة.

عرفنا الجريدة التى تتحدث عن يوم عيد الشرطة.. "مفعم بالورود والشيكولاتة " وأن المظاهرات فى لبنان فقط، بينما الحقيقة أن المظاهرات تعم بلادنا وسقط شهداء و سقط جرحى ..

عرفنا الإعلام إذ يتحدث عن الموساد وإيران وحزب الله وحماس وال CIA والأفارقة، والعمالقة، والأجانب، وكل كنتاكى الدنيا وقد تجمعوا كلهم فى ميدان التحرير .

نعم عرفنا كل هذه الوسائل، عرفنا عدونا وحبيبنا، وهذه فائدة كبيرة جاءت جراء الثورة.

"اللجان الشعبية".. ذلك الكيان الرائع الذى تألف من الإخوة والأهل والأصحاب والجيران لحماية الممتلكات العامة والخاصة، لحماية النساء والأطفال، لحماية مصر إذ خذلها حُماتُها .. لحماية مصر إذ خذلها العسكر وانسحبوا ... ذلك الكيان الشعبى الرائع كان من أهم الفوائد، ذلك الوعى والرقى التفكيرى، وتلك الدراية بالمسئولية وتلك الثقافة، وسياسة "لستُ أنانيا".. سياسات وثقافات كانت غائبة عنا، وجديرة بالإعجاب والفخر والاعتزاز أنها موجودة ها هنا فى شوارعنا.. فشكرًا للثورة.

أعظم فائدة حققتها الثورة، هى فائدة نفسية، وهى تغير سياسة توارثناها أبا عن جد ... سياسة ألا تتكلم، لا تأمن لأى أحد، لا تتحدث عن النظام، الحيطان ليها ودان، امشى جنب الحيط، وكل هذه السوالب التى شحنتنا شحنة سالبة طيلة العقود الماضية.. حتى صرنا نشع السلبية للعالم... الآن الجميع يتكلم، الآن الإيجابيةُ صارت تنطق، الجميع يحكم ويحكّم عقله، الآن لا أحد يخاف.. فشكرًا للثورة.

وأخيرا ثقافة أن تكون الأغانى الوطنية مذاعة وتنظر للتلفاز فلا تجد كرة القدم هى ثقافة جديدة أيضًا.. فشكرًا للثورة.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة