حقاً وما نيل المطالب بالتمنى.. ولكن تؤخذ الدنيا غلابا، هكذا أثبت الشعب المصرى صحة هذا البيت الشعرى فى ثورة شعبية اجتاحت كل المدن المصرية، وكان ميدان التحرير رمزاً لمركزها الرئيسى، ثورة أثبتت لكل أهل الأرض أن ثمة رجالاً فى مصر قد امتازوا بالصبر وجمح غضبهم، لكن عندما يثورون، فإنهم ينجحون، ثورة بيضاء أشعلها شباب مصر الواعى والطاهر استطاع من خلالها أن يُوصل صوته إلى النظام الحاكم والجاثم على صدر مصر منذ سنوات، ذلك النظام الذى تجاهل نداءات كثيرة ومتكررة بضرورة الإصلاح والتغيير، كانوا يعتبرونها نداءات غوغائية مدفوعة بأيدٍ أجنبية، لكن يبدو أن رسائل الشعوب لا تصل إلى حكامهم إلا بعد أن يثورا عليهم ويطيحوا بهم من مناصبهم، فبالأمس القريب خرج الشعب التونسى الشقيق بعد أن فاض به الكيل ليثبت للرئيس التونسى أن الشعب يريد الحياة.. لكن عظمة (بن على) جعلته يتجاهل ما يدور بالشارع، معتقداً أن الأجهزة الأمنية قادرة على سحق تلك الانتفاضة الشعبية، وبعد أن فشلت تلك الأجهزة فى جمح غضب الجماهير خرج الرجل فى محاولة للتهدئة، نادماً على تجاهله لهم، ومؤكداً على أنه قد فهم الرسالة، لكن للأسف الفهم المتأخر لا يجدى غالباً، لقد أراد الشعب الحياة فاستجاب له القدر وهرب بن على فى محاولة للنجاة بحياته من الشعب الغاضب، وقتها ظل المسئولون المصريون يرددون أن ما حدث فى تونس لا يمكن أبداً أن يحدث فى مصر، فمصر المستقرة ـ من وجهة نظرهم ـ شعبها لا يثور، لكن ربما قد تسرع كل مسئول أدلى بمثل هذا التصريح أو ربما نسى أن يقرأ تاريخ الشعب المصرى الذى ثار على الظلم مراراً وتكراراً ، ما من أيام قليلة حتى خرج الشعب المصرى مطالباً بحرية مفقودة وعدالة اجتماعية غائبة، فكان التجاهل هو الرد الرسمى على المتظاهرين، غريب حقاً ذلك التعامل البطئ جداً للسلطات المصرية وكأنها لم تستفد أى شىء من الدرس التونسى!، سرعان ما انهارت الشرطة المصرية فى مواجهة غضب الشارع المصرى الذى رفع سقف مطالبه يوماً تلو الآخر، مع كل يوم كان الرئيس يزداد تشبثاً بالمنصب.. كان الشارع يزداد تمسكاً بمطالبه، فى مصر أراد الشعب إسقاط النظام.. فاستجاب له القدر هو الآخر بتنحى الرئيس مبارك عن منصبه، ليترك الرجل منصبه بعد ما يقارب الثلاثين عاماً من السطلة، إن الشعوب ـ أى شعوب ـ من حقها أن تحيا فى ظل عدالة وحرية وديمقراطية، الشعوب لا تريد سوى الحياة الكريمة، لكن يبدو أن بعض الزعماء يستكثرون ذلك على شعوبهم، فما من نتيجة لذلك سوى الثورة عليهم والإطاحة بهم، وقريباً شعوب أخرى ستثور من أجل حريتها وكرامتها.
