فى شرفتها الفسيحة.. تعتنى بنباتها وزهورها الملونة.. تعطيهما من الوقت الكثير كل صباح.. تهمس لهما وتغنى وهى ترويهما بالماء.. تدرك جيدا أنهم يعرفونها ويرحبون بها من توهج الزهر لحظة دخولها واقتراب النيات من ردائها وهى تسير، تتناول إفطارها البسيط ولا تعبأ بوصايا أمها فى ضرورة أن تأكل أكثر.. تقبلها وتمضى مسرعة إلى اللاب توب.. ترد على الإيميلات الكثيرة التى أتت من أصدقاء وصديقات كان الرابط بينهما ماذا يفعلون بعد ما آلت إليه مصر على أيدى تلك العصابة.. نعم عصابة تسرق وترتشى بلهفة وفجور دون وازع من ضمير وتخطط للتوريث ! ثم يأتى الصباح فتتصدر صورهم الصحف عن إنجازتهم وحكمتهم فى اتخاذ القرار وأن المعارضين ليسوا سوى قله مأجورة.. عميلة للخارج.. وأن ما تحقق من معدلات النمو هو نجاح لسياستنا التى حسدنا عليه العالم ! وفى المساء يتحاور مع نفس الوجوه الكاذبة نجوم الإعلام الحكومى فلا يقاطعونهم فى الحوار ولا يرددون على مسامعهم ماذا يقول الناس عنهم فى الشارع والمنتديات وإن حدث فعلى استحياء وفى آخر الحديث يسبحون بإنجازاتهم ووقوفهم الدائم مع البسطاء ! أواه على كذبهم المنمق الدائر كالماكينات وكأنه الحقيقة.. حتى الوقفات الاحتجاجية القليلة يحاطوا فى دائرة كبيرة من العسكر والضباط والقاده الكبار فأن هموا بتحرك بسيط يخرق الدائرة المتشابكة يتم السحل والضرب بالعصا والخطف.. سحلوا صديقتها أمام أعينها ذات مرة فأنحس ردائها عن جسدها فحاولت سترها فضربها العسكر بغلظة وهموا بأمسكها هى الأخرى إلى أن تمكن صديق بجذبها سريعا لتحشر بينهم ودموعها تسيل غير مصدقة هذه الفظاظة التى لا تراها إلا على التلفاز ولا تأتى إلا من الجنود الإسرائيلية مع الفلسطينيين العزل.. علقت قائلة لأحد أصدقائها: "بكره الشرطة مش هاتسبنا فى حالنا.. متوقعه كده بس برضه مش هايقدروا علينا المرة دى ده إحساسى.. رد عليها مازحا: ربنا يطمنك يعنى الناس إللى ماشيه فى الشارع هاتبقى معانا ومش هاتسحل المره دى ؟! قالت له بسرعة: "الناس خلاص اتخنقت ماتخافش هاحميك.. رد عليها بسرعة ضاحكا: ربنا يطمنك.. ابقى خدى بالك منى.. سلام.. جلست إلى أمها كانت سعيدة تروى لأمها قفشات الصحاب والنكات الجديدة.. وأمها تنظر إليها بفرح مردده إمتى يا بنت افرح بك هاتبقى عروسه حلوه أوى.. ترد ضاحكة: لسه بدرى ياماما زهقتى منى؟! ترد أمها بابتسامة حانية: أنا أزهق منك يا بنت انتى دا انتى نور عينى.. تقاطعها قائلة: عشان كدة عيونك حلوه! فى اليوم التالى فتحت اللاب توب.. تحاورت مع الشلة تم تحديد الميعاد بجوار المتحف لينطلقا إلى الميدان.. وصلت بصعوبة للمكان الذى فيه أصدقائها.. الميدان يعج بالمتظاهرين.. القنابل تتساقط كالمطر.. الطلقات المطاطية كذلك.. الشرطة فى أعنف حالتها معهم.. يهرولون هنا وهناك.. تفقد الصحبة.. تحاول أن ترى أحدا منهم.. لا أحد..
لا تبالى.. تردد الهتافات.. يعطيها متظاهر علما.. ترفعه مرددة بقوة نريد إسقاط النظام.. فجأة رأت نار تتصاعد من هنا وهناك.. لا أحد فى زى شرطى.. أدخنة تتصاعد من بنايات مرتفعة.. الناس تهرول هنا وهناك.. جماعات بملابس مدنية يضربون بوحشية المتظاهرين.. تجرى ومعها العلم.. تجد وحشا ومعه آخر فى اتجاهها.. يضربونها بعصا غليظة على جسدها النحيل تحاول تلافى الضرب تهوى على رأسها ضربة قوية.. تترنح..
يبتعدا عنها لملاحقه المزيد.. العلم فى يدها.. تئن.. تمضى بالكاد.. تجر خطواتها.. تهوى على الأرض.. لا تشعر بشىء.. فتحت عيونها.. منزلها.. نباتها.. زهورها.. تنظر تجاههم تود أن تحدثهم..لا تقدر.. أمها تبكى.. رنت إليها باسمة.. أخذت يدها بوهن.. قبلتها وهى تبتسم.. أغمضت عيونها.. ورحلت.
شهداء الثورة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة