مصير زواج المال والسلطة فى مجلس الشعب

الخميس، 10 فبراير 2011 09:34 م
مصير زواج المال والسلطة فى مجلس الشعب المغربى وجمال مبارك
عادل السنهورى - تصوير : عمر أنس

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄ رجال الأعمال فى البرلمان فجروا أزمة عدم الثقة وأمانة السياسات سيطرت على مصر بعقلية الشركات الخاصة
ملاحقة الفساد ومطاردة رموزه، وبدء مرحلة تفكيك دولة رجال الأعمال، وإعلان طلاق رأس المال والسلطة- هى الخطوة الأهم لاستعادة الاقتصاد المصرى عافيته وتعويض الخسائر خلال الفترة الحالية. دفع الاقتصاد ثمنا قاسيا ومؤلما، ولكنه متوقع فى ظروف ثورة تغيير شاملة قامت للقضاء على الفساد، واحتكار رأس المال للسلطة والنفوذ فى البلاد.

حجم الخسائر التى لم يتم حصرها حتى اللحظة قد تتجاوز 150 مليار جنيه، لكنها لا تقارن أبدا بحجم الفساد الذى استنزف اقتصاد الدولة واستنزف ثرواته طيلة السنوات الماضية، فحجم الخسائر الذى كان يتكبدها سنويا الاقتصاد المصرى بسبب الفساد -حسب تقارير دولية- تراوح ما بين 50 و100 مليار جنيه سنويا، واحتكرت حوالى 250 عائلة فى مصر النسبة الأكبر من الثروة وعائد التنمية، فيما بقى أكثر من 40 بالمائة من أفراد المجتمع يعيشون تحت خط الفقر، حيث لم يتجاوز الدخل اليومى لهم دولارا واحدا، واتسع نطاق البطالة ليصل إلى نحو 10 بالمائة، حسب البيانات الرسمية، رغم التشكيك فى النسبة التى قدرها خبراء اقتصاديون بنحو 15 بالمائة.

لكن كيف نشأ هذا الحجم من الفساد فى العشرين عاما الماضية؟
الإجابة عن السؤال تبدأ مع نشوء أخطر ظاهرة فى الحياة السياسية فى مصر، وهى دخول رجال الأعمال إلى مجلس الشعب منذ انتخابات 1995، وبدأت عناصر الثروة تنتبه إلى أهمية السلطة فى حماية المال، وبالتالى النفوذ فى تحقيق المصالح الشخصية، وهو المرض الذى أصاب الحياة السياسية والتشريعية فى مقتل، حيث تشكلت ملامح دولة رجال الأعمال على استحياء، وبدء التزاوج الخطير بين السلطة والمال لتنجب طفلا مشوها اسمه القوة، والذى شب ليتحول إلى عملاق اسمه البلطجة, ورغم العدد القليل من رجال الأعمال الذين اكتسبوا عضوية مجلس الشعب، فإن كتابات عديدة انطلقت محذرة من دخول رجال الأعمال إلى البرلمان، وهو ما وصفه الكاتب الكبير المرحوم صلاح الدين حافظ بتزاوج المال والسلطة، وكشف وقتها عن اجتماع لمجموعة منهم لتحديد من يجب ترشيحهم، وبالفعل نجح عدد قليل من رجال الأعمال فى الدخول إلى البرلمان، والذين عرفوا بعد ذلك بنواب القروض، أمثال محمود عزام وخالد حامد محمود وإبراهيم عجلان وتوفيق عبده إسماعيل، إضافة إلى إبراهيم كامل.

استمرت رحلة الزواج بين رأس المال والسلطة بعد ذلك فى انتخابات 2000 و2005، حيث بلغ عدد رجال الأعمال فيها 17 رجل أعمال، منهم طارق طلعت مصطفى رئيس لجنة الإسكان، وأحمد عز رئيس لجنة الخطة والموازنة، ومحمد أبو العينين رئيس لجنة الصناعة والطاقة والمرشح لمنصب وكيل مجلس الشعب عن الفئات، بعد أن أصبح رئيسا للبرلمان اليورومتوسطى.

ومن الإسكندرية خالد خيرى ومحمد المصيلحى وحسنى خليل، إضافة إلى محمود عثمان من الإسماعيلية، وطلعت السويدى ومحمود خميس من الشرقية، ومنصور عامر من القليوبية، وعادل ناصر من الجيزة، وأحمد عبد السلام قورة من سوهاج، وعبد الرحمن بركة من الدقهلية، ومحمد المرشدى من حلوان، وطلعت القواس وإبراهيم العبودى وهشام مصطفى خليل من القاهرة. وشهدت الانتخابات الأخيرة أكبر هجوم من رجال الأعمال على مجلس الشعب، حيث دخله 30 من أبرز رجال الأعمال جميعهم من الحزب الوطنى.

الظاهرة الأخطر فى رحلة الزواج بين رجال الأعمال والسلطة والنفوذ كانت مع تأسيس أمانة السياسات فى الحزب الوطنى، قبل انتخابات الرئاسة الأخيرة فى 2005 برئاسة جمال مبارك نجل الرئيس، والتفاف عدد كبير من رجال الأعمال حوله، وانضمام عدد كبير منهم إلى أمانة السياسات التى كانت إيذانا بمرحلة سيطرة دولة رجال الأعمال على الحكم سياسيا واقتصاديا، فلجنة السياسات أصبحت المتحكمة فى كل قرارات الدولة، وأى قرار لابد أن يمر عليها، فكانت بمثابة المطبخ السياسى الذى يدير كل شىء فى مصر.

وتحت سلطة رجال الأعمال نشأت دولة النفوذ والتحكم فى الثروة، وتأسست دولة البلطجة أيضا، والتى استخدمها رجال الأعمال فى معاركهم الخاصة لترويع الناس، والاستيلاء على الممتلكات العامة، وأراضى الدولة، وتزوير انتخابات مجلس الشعب بمباركة وتأييد من لجنة السياسات.

توحش رأس المال فى فترة التسعينيات وما بعدها لم يعرف له مثيل فى تاريخ مصر السياسى حتى قبل ثورة يوليو، أو حتى فترة قريبة بعد حكم الرئيس السادات، فحالة التقارب بين المهندس عثمان أحمد عثمان والسادات لم تصل إلى حد التوحش الذى حدث بين رجال الأعمال والسلطة فى عهد مبارك، وكان هذا الرجل يستفيد من قربه للسلطة، وكانت السلطة تعول عليه أيضا فى بناء بعض المشروعات، لكنه لم يتدخل فى القرار السياسى، أما فى فترة التسعينيات وبداية الألفية الثانية فكان رجال أعمال فى عصب السلطة التنفيذية.

هدد زواج رأس المال والسلطة، والذى وصفه البعض بزواج المتعة الحرام، مؤسسات الدولة، وحاولت رموزه إحالة كل شىء إلى «أملاك خاصة» وتوظيف القرارات والقوانين لصالحه، فنشأ الفساد فى مفاصل الدولة، وكشفت التقارير عن 70 ألف قضية فساد فى مصر سنويا، وأظهرت تقارير دولية مختلفة تأخر ترتيب مصر فى مؤشرات عديدة لقياس النمو الاقتصادى، ففى 26 سبتمبر 2009 جاء ترتيب مصر 115 على مستوى 180 دولة فى العالم، متراجعا عن عام 2007 والذى كان 105، وعام 2006 والذى كان 70، كما تورط عدة وزراء وعدد من المسؤولين الحكوميين فى الدولة فى عمليات فساد كبيرة.

ويفيد تقرير لـ«مركز الأرض لحقوق الإنسان» بأن أكثر من 39 مليار جنيه أهدرت فى الآونة الأخيرة على خزانة الدولة بسبب الفساد المالى والإدارى فى الحكومة المصرية، بالإضافة إلى أن هناك خسائر قدرت بحوالى 231 مليون دولار فى العام الماضى بسبب تصدير الغاز الطبيعى إلى إسرائيل.

وتحت حماية الحزب الوطنى ورجال الأعمال أسقطت الأغلبية 3 استجوابات تتهم الحكومة بالفساد وإهدار 80 مليار جنيه فى مشروعات أبوطرطور، والغزل والنسيج، والكهرباء فى مارس 2010.

أضاعت سيطرة دولة رجال الأعمال هيبة المنظومة الرقابية فى مصر التى كان من المفترض أن تحارب الفساد، وتحد منه وتعاقب الفاسدين طبقا لنصوص القانون.

فقد وصل عدد الأجهزة الرقابية للسلطة التنفيذية فى مصر إلى 32 جهازا متخصصا تعمل فى مجال الجهاز الإدارى وقطاع الأعمال والهيئة العامة فى الدولة، وفى القطاع الخاص الذى باشر أعمالا عامة، وكذلك أى جهات أخرى تسهم فيها الدولة بأى نسبة من المال العام، لكن الواقع أن كل تلك الأجهزة لم تتمكن أن تنجز مهمتها فى حماية المال العام وصيانة حرمته بسبب سيطرة رأس المال على الحكم، ولم ترهب تلك الأجهزة الرقابية ولم تردع المفسدين فى كل القطاعات.

إن من إيجابيات ثورة 25 يناير أنها كتبت النهاية المحتومة للزواج غير الشرعى بين رجال الأعمال والسلطة، وكما قال الدكتور سمير رضوان، وزير المالية الجديد، بأن القطاع الخاص إذا كان يريد الاستمرار فى العمل، فلابد أن يكون ذلك ضمن ضوابط ورقابة، وبعيدا عن استغلال السياسة.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة