بات واضحًا أن تياراً لا يستهان به من النخبة، يسعى لضمان وجوده السياسى والفكرى فى "مصر بعد 25 يناير" بشتى الطرق، دون اكتراث بقيم الديمقراطية والعدالة، التى دعا إليها المنتمون لذلك التيار وبعضهم ضحى من أجلها، ودون أى إدراك لتداعيات ذلك على سلوك التيارات الرئيسة الأخرى فى المجتمع المصرى، وعلى رأسها التيار الإسلامى.
نتفق أو نختلف مع التيار الإسلامى، بأحزابه المتنوعة، سواء كانوا إخوان مسلمين أو سلفيين أو صوفيين، لكن أن نسعى لإقصائهم بأفكارهم وبرامجهم، فإن ذلك يتناقض مع أبسط قواعد العدالة والمساواة، ويعد وصاية مرفوضة ومحاولة لفرض رأى على شعب بأكمله، من المفترض أن يختار من يمثله فى انتخابات نزيهة بين تيارات متعددة.
فى أى بلد فى العالم، يخضع الجميع للرأى أو المرشح الذى انحازت له الغالبية، حتى لو كان ذلك عبر انتخابات انتهت بـنتيجة 51 % فقط، لأن ذلك هو الأمر الوحيد الكفيل بالحفاظ على تماسك المجتمع وعدم انفراط عقده، والحيلولة دون حدوث صدامات من جراء الشعور بالغبن والتهميش تهدد التعايش السلمى.
دعونا نقولها بصراحة، ودون أى مواربة، هذه البديهيات والمسلمات والقواعد التى نتحدث عنها "ليس متفقا عليها فى مصر الآن".. فهناك تيار متشدد من النخبة يسعى بكل أدواته السياسية والقانونية والإعلامية لسلب المواطنين حرية الاختيار، فى تناقض صارخ مع قيم الليبرالية ومبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية، التى طالما دعا لها وحلم بها على مدار عقود وعقود.
كان الاستفتاء على التعديلات الدستورية، ورفض بعض التيارات لنتائج الاستفتاء، الذى هو رأى الشعب، هو أول مؤشرات تمرد بعض قطاعات النخبة على صندوق الانتخابات، وجاء الجدل حول الانتخابات أولاً أم الدستور أولاً، ليزيد من حدة الاحتقان ويبرز الكثير والكثير من تطلعات ومخاوف النخبة.
وفى نفس السياق، حاولت بعض التيارات النخبوية أن يكون اختيار الهيئة التأسيسية لوضع الدستور بعيدًا عن أعضاء البرلمان أو على الأقل تهميش دورهم فى ذلك الاختيار، وسعى آخرون لإلغاء المادة الثانية من الدستور، التى تنص على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع.
وأخيراً، جاءت الوثيقة الأخيرة، والخاصة بالمبادئ فوق الدستورية، لتسعى لفرض وصاية للجيش على الحياة السياسية مستقبلاً، بل وظهرت دعوات متطرفة مضمونها السعى لعدم وصول الإسلاميين للحكم حتى لو كان البديل هو استمرار حكم العسكر وإعلان الأحكام العرفية.
لقد كشفت تلك المحاولات حالة الانفصام لدى بعض القوى والازدواجية والتأرجح بين الرغبة فى التمسك بمبادئ الليبرالية والديمقراطية التى تؤمن بها، وهو ما قد يؤدى إلى وصول الإسلاميين للحكم على الأرجح أو التخلى عن آليات الديمقراطية، ولو مؤقتاً، لمنع التيار الإسلامى من الحكم.
أتفهم مخاوف الكثيرين من مرحلة "ما بعد وصول الإسلاميين للحكم"، أو على الأدق، المخاوف من وصول التيار المتشدد تحديداً، وأتفهم أيضًا حالة الهلع من احتمالية أن يقوم المتشددون بعدم إتاحة الفرصة للمعارضين لهم فى الوصول للحكم مستقبلاً.
لكنى أؤمن، فى الوقت ذاته، بأن المخاوف من احتكار أى تيار للسلطة لا ينبغى أن تكون مبررًا للعودة إلى الوراء أو لإغلاق الباب أمامهم، بل ينبغى أن يكون ذلك دافعاً قوياً لتدشين آلية لتداول السلطة سلمياً تحظى بالتوافق بين كافة التيارات المتعارضة، وتسمح لمن هم فى مقاعد المعارضة أن يصلوا للحكم غداً، ومن يحكمون فى أن يتركوا الحكم بسلام إذا انتخب الشعب غيرهم.
وعلينا أن ندرك أهمية إرساء مبادئ التعايش فى "مصر بعد 25 يناير" بناءً على أسس سليمة، ومنها ضمان حرية الحركة لكافة القوى والتيارات السياسية والحزبية وغيرهم من الممارسين للعمل العام، وضمان حقوقهم، بدءاً من ضمان حرية الرأى والتعبير، وصولاً إلى تقلد المناصب العامة والقيادية.
وعلينا أن نعمل بجد من أجل ترسيخ قيم العدالة والمساواة وحقوق الإنسان، التى دعا لها ديننا الحنيف وكافة الأديان السماوية، حتى تتجسد وتتعمق تلك القيم والمبادئ فى وجدان المواطن المصرى، الذى قام بالثورة وضحى من أجل نجاحها، وباعتباره الطرف الوحيد القادر على الحفاظ فى المستقبل على مكتسبات الثورة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد عبد العال
الى الكاتب
عدد الردود 0
بواسطة:
salwa
Egyptians knows why and whom to elect
عدد الردود 0
بواسطة:
dr tarek
حفظ الله مصر
عدد الردود 0
بواسطة:
عادل الطحان
عين العقل
اول واحد اشوفه بيفهم وبيتكلم صح
عدد الردود 0
بواسطة:
اشرف ابو عميرة
العلمانيون لايؤمنون الا بالديقراطية التى تاتى بهم فقط !!
عدد الردود 0
بواسطة:
الغريب
على الكل
عدد الردود 0
بواسطة:
حمدى
لا ينقص هذه المقاله شيء سوى ان يقراءة السياسيون
اتمنى ان يتحلى السياسيون بنفس خلق وفكر الكاتب