كم تمنيت أن يبقى الربيع أبيضاً، ولا تعكر الدماء صفوه، لكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، فى اعتقادى.. كان سيناريو القذافى هو الأسوأ، إلى أن بدأت الثورة فى سوريا!
فى سوريا لم يدع النظام الوقت كى يمر كثيراً فتصبح تحركاته متأخرة مثلما حدث فى مصر أو تونس، لذا أراد بشار للثورة أن يتم قنصها مبكراً لكن بشكل أكثر حرفية من الطريقة التى أدار بها القذافى معركته ضد شعبه، فقام النظام السورى بحشد كل القوى الأمنية وقوات الجيش وعصابات الشبيحة، وتسخيرها لقتل كل من يهتف ضد النظام أو حتى يطالب بحرية أو كرامة أو عدالة، أو هكذا مصلحات من تلك النوعية التى تثير أعصاب الأنظمة وتعكر صفوها، ففى فلسفة الحاكم الطاغية وعقيدته: المواطنون ما هم إلا عبيد للحاكم، ولا حقوق لهم سوى تلك التى يمنحها إياهم، وهم ـ أى الشعوب ـ وأوطانهم لا شىء سوى جزء من التركة أو الميراث الذى يتوارثه الأبناء عن الآباء، وكأن الجمهوريات قد تحولت فجأة ــ و فى غفلة من ساكنيها ــ إلى ممالك وإمارات تُوِرث من الأب إلى الابن، وسوريا مثال واضح على تلك الجمهوريات التى أصبحت ممالك، فى سوريا أيضاً.
أحاديث عن إصلاح وخطط وهمية للتنمية، هى إذن الأوضاع ذاتها والأنظمة نفسها تماما كتلك التى فى دول الربيع العربى الأخرى، وقالوا قديما: إن السبل المتشابهة غالبا ما تؤدى إلى النهاية نفسها، وها هى سوريا تعيد السيناريو نفسه الذى رأيناه بالأمس القريب فى مصر وتونس وليبيا، الشعب يخرج من قمقمه مطالباً بإصلاح وتنمية وعدالة، فيخرج النظام ليؤكد على أنه بالفعل يسير فى هذا الاتجاه منذ سنوات، وكأن الشعوب كانت فى غفلة من تلك الاصلاحات!
لكن الغريب فى عمليات القتل والقمع فى سوريا، أنها لا تفرق بين المواطنين، فأحيانا تجد نفسك معرضا للقتل لمجرد خروجك إلى الشارع، فهى مفاجأة إذن، بالنسبة للنظام، ولا يبدو أن أحداً هناك قد توقع خروج الشعب فى مظاهرات، بالرغم من أحداث ثورات الربيع العربى التى هى ملء السمع والبصر، مفاجأة أن نرى صور الابن والأب ــ بشار وحافظ ــ فى شوارع المدن السورية يتم تمزيقها، بل والتمثال الشامخ يسقط، بعدها يجن جنون النظام فيبدأ بتوسيع دائرة إلقاء التهم فتطول كل التيارات الدينية على أرض سوريا، فلعله يجد فى فزاعة التيارات الدينية مبرراً أمام العالم لما يقوم به بحق الشعب السورى، لكن أليس غريباً أن يكون من بين هؤلاء الإسلاميين المتطرفين: مسيحيون؟! فقد قرأنا أسماء سوريين مسيحيين من بين شهداء الثورة، فى الوقت الذى كان الإعلام الرسمى الكاذب يتحدث عن قتل الأجهزة الأمنية إسلاميين متطرفين!، فيبدو أن الإعلام فى سوريا لم يعد يغزل نسيج أكاذيبه بإتقان، خصوصاً وأن الأحداث تتسارع تحت وطأة الضغط الداخلى والخارجى على حد السواء، هذا بخلاف أن النظام منع أى مراسلين أجانب من التواجد لتغطية الأحداث، مما ولد تعتيما غير مسبوق على ما يحدث على أرض الواقع، اللهم إلا بعض مقاطع الفيديو التى يتم تسريبها على مواقع الإنترنت من الحين للآخر.. وبالرغم من كل ذلك نجد دائما ترديد المسئولين والوسائل الإعلامية الرسمية فى سوريا أن عمليات التطهير لا تشمل سوى الخارجين عن القانون والإرهابيين والمتطرفين الإسلاميين، لكن أى إرهابيين كانوا يقصدون؟ هل يقصدون الطفل حمزة الخطيب الذى تم تعذيبه حتى وفاته المنية جراء ما لاقاه من تعذيب الأجهزة الأمنية له بعد اختطافه؟!
فى سوريا لا يسمع الرئيس عن مواطنين يتم قتلهم، ولا يرى تلك الدماء التى يتحدث عنها أشخاص يقولون إنهم من منسقى الثورة فى بلاده، الرئيس يرى مظاهرات حاشدة لتأييده، يسمع حناجر تهتف باسمه، صحيح أنها تهتف.. لكن شتان ما بين صوت يهتف وهو مملوء بالخوف، وبين آخر يهتف وهو مملوء بالعزة ويتطلع إلى الكرامة، الرئيس لا يستشعر الفرق بينهما.. فى سوريا أيضا: الرئيس لم يسمع يوما عن فقر فى بلاده، ولا يرى منذ عهد أبيه سوى الإصلاحات، صحيح أن سوريا بلا إصلاحات أو تنمية، وذلك بشهادة أبنائها، لكن الرئيس لا يرى ذلك، لذا فعلى من يرون خلاف ما يراه الرئيس أن يغمضوا أعينهم بدلاً من يفقدها إياهم النظام إلى الأبد، لكن فى الواقع: فإن بشار لا يرى، ولا يسمع، ولا ينتحى!
لقد حان الوقت لسقوط أنظمة عذبت وهجّرت وقتلت، وقبل ذلك: أفسدت وأفقتر وطغت، ويبقى أن نذكر أن ثمة سيناريوهات أخرى، ربما ستحدث فى المستقبل القريب فى دول أخرى، فلا أحد يدرى ماذا تخبئ الأيام القادمة فى جعبتها؟
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة