ناجح إبراهيم

وداعا ً أمي.. فقد أعطيت لم تستبق شيئا ً

الأحد، 04 ديسمبر 2011 06:30 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
منذ عدة أيام فقدت سندي الذي كنت أستند عليه وعكازي الذي كنت اتكأ عليه طوال حياتي الصعبة والشاقة .

رحلت أمي الغالية بعد رحلة كفاح عظيم وراء زوجها وأولادها .. فقد اعتقلت أمي شهرا ً ونصف الشهر من أجلي .. واعتقل والدي رحمه الله مع سبعة من أشقائي .. وكانوا في سجون متفرقة .. فكانت تطوف علينا جميعا ً رغم أنها لم تخرج من بلدتنا قبلها أبدا ً .. حتى عرفت ميزات وعيوب كل سجن .

فكانت تقولي لي:

ليمان طرة ممتاز.. لأنه أمام محطة المترو ومواصلاته سهلة .
واستقبال طرة " يهد الحيل " لأننا نمشي من بوابة الجبل إليه قرابة الساعة
أما أبو زعبل " فهو أسوأ سجن في مصر "
فأقول لها لقد أصبحت خبيرة في سجون مصر
لقد ذهبت وراء أولادها إلي كل المعتقلات مثل أسيوط والمنيا والفيوم وطرة بكل سجونها وأبو زعبل ودمنهور والوادي الجديد .

لقد تحملت هذه المرأة المصرية المسلمة الأصيلة ما لم تتحمله الجبال .. حتى أطلقت عليها جريدة الشعب المصرية " أم الأبطال " في تحقيق صحفي عن صمودها وصبرها في بداية الثمانينات.

حتى إذا خرج جميع أولادها من المعتقلات واستقرت بهم الأحوال واستعادوا حقوقهم في الحياة الحرة الكريمة.. إذ بابنها الأكبر أحمد يموت فجأة .. وإذ بأبي يموت بعدها .. ثم تموت ابنتي الصغيرة نوران.. ويموت حفيدها الشاب في الثانوية العامة بسرطان العظام .. لتتواصل حلقات البلاء والابتلاء الذي يستلزم الصبر الجميل "فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ".. فتصبر وتزيد من صبرها فترضى عن ربها وعن قضائه وقدره.

كنت كلما ضاق بي أمر أو اشتدت بي كربة أذهب إليها وأكلمها طالبا ً دعاءها .. فينطلق قلبها ولسانها بدعوات رائعة تدخل قلبي وتهدهد نفسي وتشحن بطارية إيماني وتملأ نفسي بعزيمة كبيرة تتغلب على أعتى المشكلات .

لقد تعلمت منها الكرم .. فما جاء ضيف إلا أكرمته .. وقد كان يأكل في بيتها أحيانا ً قرابة خمسين من أولادها وأحفادها وضيوفهم وبعض أقاربنا .. فما يضيق بيتها بذلك .. ولا تجد في نفسها تبرما ً لذلك.

لقد كانت تخبز في شبابها فتوزع على كل جيرانها من الخبز الذي خبزته .. وكانت ترسلني بالطعام إلى الفقراء من حولنا .. وكانت ترعى بعض أسرهم حتى مماتها .. وكانت تصوم السنن كلها الاثنين والخميس والتسع الأول من ذي الحجة .. وكانت تقوم الليل وتسعد بذلك .. فقد كانت عابدة ذاكرة لله رغم اعتلال صحتها .

وفي آخر أيامها اشتركت في جمعية مالية مع أخريات لكي تدفعها لمستشفى سرطان الأطفال بالقاهرة وقد استكملناها من حر مالها ودفعناها للمستشفى بعد موتها تكريما ً لها ورجاء بلوغ ثوابها إليها.

آه.. ما أشد الألم على فراق الأم
آه.. يا أمي لم أستطع أن أرد بعض جميلك
آه.. من خوفي من غدرات الأيام بعدك
آه .. من حرماني من دعائك وحبك الصادق .
آه .. من أزمة منتصف العمر الذي تفقد فيه أصولك .. لتعيش بلا جذور ضاربة لك في أرض الخير.
آه .. من حرمان الإنسان ممن يحبونه بغير مصلحة ودون مقابل بلا من ولا أذى .









مشاركة

التعليقات 7

عدد الردود 0

بواسطة:

د. عبدالحميد عمران

تقبلها الله فى فسيح جناته

عدد الردود 0

بواسطة:

ايهاب الطباخ

عزائى الشخصى

عدد الردود 0

بواسطة:

ســعيد متولـى

الله يرحمهـا و يصـبركم

عدد الردود 0

بواسطة:

دعاء

البقاء لله

عدد الردود 0

بواسطة:

said

عزاء واجب

عدد الردود 0

بواسطة:

mashhhh

البقاء لله .. رحمها الله وبارك في أبناءها

البقاء لله .. رحمها الله وبارك في أبناءها

عدد الردود 0

بواسطة:

محمود حمدي محمود عثمان

أم الأبطال

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة