د. رضا عبد السلام

نعم لحملة شراء المنتج المصرى.. ولكن!!

السبت، 31 ديسمبر 2011 10:10 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يتبارى المصريون الآن للبحث عن سبل لإنقاذ اقتصاد مصر من الانهيار وشباب مصر من البطالة، ومن بين الحملات الجادة، حملة شراء المنتج الوطنى، أى تشجيع المستهلكين فى مصر على شراء المنتجات المصرية بدلاً من مثيلاتها المستوردة، وبذلك نرتقى بالناتج المحلى الإجمالى، ونحفزالشركات والمصانع على تشغيل العاطلين من شباب مصر، كما أننا بهذه الخطوة سنحفز رجال الأعمال المصريين على توسيع أنشطتهم، وبث الثقة لديهم فى كفاءة وجدوى الاستثمار فى مصر.

لا نختلف إطلاقاً على أهمية مبادرة كتلك التى تشجع الناس على شراء المنتج الوطنى. وهنا أتذكر أن الرئيس الأمريكى بارك أوباما كان قد قدم مشروعاً للكونجرس الأمريكى، فور وقوع الأزمة العالمية 2008م، وكان على رأس أولويات هذا المشروع "اشترى الأمريكى أولاً buy the American first" وذلك عندما كان الاقتصاد الأمريكى يعانى شبح الانهيار، ولكن تم رفع هذا البند من مشروع القانون بعد ذلك، باعتباره يتعارض مع اتفاقات منظمة التجارة العالمية التى تلتزم بها أمريكا، كما أنه كان فى حالة إقراره سيوفر ذريعة لدول أخرى للقيام برد مماثل، وتصبح حرباً تجارية...إلخ.

فارق بين الحديث عن مبادرة حكومية رسمية كتلك التى قامت بها الإدارة الأمريكية ومبادرة شعبية كتلك التى يحركها شعب مصر، ولهذا فإن المبادرة الشعبية المصرية الحالية، التى تدعو المصريين لتقديم المنتج الوطنى على المنتج الأجنبى، لا يمكن لأى دولة أخرى أن تقف فى وجهها باعتبارها لا تعكس موقفاً حكومياً رسمياً.

أعود إلى كلمة "ولكن" التى عنونت بها المقال. مؤكد أننا قلباً وقالباً مع المنتج الوطنى لاعتبارات اقتصادية وتنموية كثيرة لا تخفى على أحد، ولكن من حقنا أيضاً كشعب اكتوى
بنار الاستغلال والإهمال لعقود أن نرى أو نعايش ولادة قطاع خاص وطنى جديد، نحن بحاجة إلى قطاع خاص بطعم ونكهة الثورة المصرية، لا يخفى على أحد وضع الكثيرين ممن سموا فى السابق برجال الأعمال، ومشروعاتهم التى امتهنت استنزاف المصريين خلال العقود الغابرة التى سبقت قيام الثورة!!

بصفتى اقتصاديا، يتابع عن كثب مختلف المؤشرات الاقتصادية، أستطيع القول إن القطاع الخاص "خلال الزمن الغابر" لم يكن فى قاموسه سوى كلمة "الربح"، بغض النظر عن التكلفة الاقتصادية والاجتماعية والصحية التى يحملها للمجتمع، ولهذا اعتاد المشروع الخاص فى مصر فى السابق على تحقيق ربح يتجاوز الـ 100% فى كثير من الأحيان، فى حين أن معدل الربح العادل هو ذلك الذى لا يتجاوز نسبة الـ 25%. تجاهل القطاع الخاص الوطنى الكثير من الاعتبارات البيئية والصحية، كبيئة العمل، وحماية البيئة (بدليل وجود مئات المصانع التى تبث سمومها وصرفها فى مياه النيل وفى البحيرات، حتى سمموا كل شىء حى على أرض مصر). ولهذا ليس غريباً أن نفقد الطعم البرىء لمنتجاتنا، وأن يصاب المصريون بأمراض فتاكة، فما من مصرى إلا ومصاب بمرض عصى.. هل أنا متجاوز فى هذا الكلام؟ من المسئول؟ الدولة؟ من كان شريكها فى تلك الجرائم؟ إنه القطاع الخاص.. وأرجو أن يصححنى أحد.

نحن مع القطاع الخاص الوطنى الشريف، بما تحمله كلمة وطنى من معنى، وإلا فالأجنبى أولى منه. أضيف مثالاً آخر يعكس تردى أداء القطاع الخاص الوطنى خلال عقود ما قبل الثورة، ولنأخذ مثال المنسوجات وأسعارها فى مصر! أعتقد أن كل مصرى يدرك حالة الانفلات التى شهدتها أسعار الملابس والمنسوجات خلال العشر سنوات الماضية فى مصر، وذلك رغم تدهور أسعار المواد الخام، والتكلفة الزهيدة لعنصر العمل!! فكان أولى بأسعار المنتجات النسيجية المصرية أن تكون هى الأدنى فى السوق الوطنى. ولكنها كانت الأعلى، لأن المنتِج يبحث عن ربح باهظ، ويسعى لتحميل المستهلك كافة الأعباء والتكاليف، حتى انهار السوق على رؤوس الجميع.. أليس كذلك؟!

مؤكد أن هناك الكثير من رجال الأعمال الشرفاء والمخلصين لهذا البلد. ولكن ألا تتفقوا معى أن للنجاح أسباب كما أن للفشل أسباب. ففشل القطاع الخاص فى تحقيق الاستقرار فى أسعار المنتجات والسلع الأساسية المختلفة، وتحقيقها ارتفاعات جنونية خلال سنوات ما قبل الثورة، أمر يسأل عنه الجميع، وعلى رأس المسئولين أرباب الصناعة ورجال الأعمال؟!

إذاً، نحن قلباً وقالباً مع حملة شراء المنتج الوطنى، ولكن من جانب آخر، لا نتمنى أن يستغل القطاع الخاص هذا التعاطف الشعبى، وأن يجمع بالشمال ما دفعه باليمين!! لابد وأن يفكر رجال الأعمال وأرباب الصناعة فى بناء عقد اجتماعى واقتصادى جديد مع شعب مصر ومع مصر الجديدة.

على رجال الأعمال وأرباب الصناعة أن يدركوا أن استمرارهم أو إصرارهم على دفع أجور متدنية للعامل المصرى لن يحفز هذا العامل على البقاء، وسيهاجر إلى بلاد الله، ومن ستضطره الظروف للبقاء فى مصر ستكون قدرته الشرائية محدودة، ومن ثم سيكون الطلب فى السوق واهناً، وهذا ليس فى مصلحة القطاع الخاص الوطنى فى شىء.. أليس هذا أمر من البديهيات الاقتصادية؟!

وبناءً عليه، هل سنرى مبادرة لرد الجميل من قِبَل رجال القطاع الخاص. تابعت اليوم خبر مبادرة عدد من رجال الأعمال لبناء 600 وحدة سكنية للشباب سنوياً. نتمنى أن تكون مبادرة حقيقية وليست مجرد وعد، يذكرنا بالوعود الجوفاء التى عايشناها خلال العهد البائد. سنفترض حسن النية فيمن أطلقوا هذه المبادرة الطيبة، ولكننا سنكون أكثر ثقة عندما نرى رجال الأعمال والصناعة يهبطون بمستويات أرباحهم ويرتقون بصحة ومستويات أجور العاملين لديهم، ويؤدون ماعليهم من التزامات تجاه الدولة.

عندما نرى هذه الخطوات من قِبل القطاع الخاص، سنطمئن بأن هناك عقد اجتماعى واقتصادى جديد يمهد بحق لبناء مصر جديدة. والله الموفق.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة