محمد فوزى طه يكتب: حبيبة

السبت، 31 ديسمبر 2011 12:18 ص
محمد فوزى طه يكتب: حبيبة صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تجرى بسرعة ضاحكة مهللة ناحية الباب بعد أن سمعت صوت المفتاح وهو يتحرك إيذانا بقدوم أغلى وأحب ما عندها وعند أول خطوه يخطوها إلى الداخل تكون قد قفزت إلى ذراعيه لتغمره بقبلاتها وتحتويه بشده متعلقة برقبته وكأنه كان فى سفر طويل مع أنهما كان سوياً فى الصباح قبل ذهابه إلى عمله فيرفعها إلى أعلى كما العادة ضاحكة لترجوه ألا يتوقف فهى تود أن تطير مثل عصافير الجنة فيفعل مرات ومرات إلى أن ترجوها أمها بالكف عن اللعب.. دادى تعبان يا حبيبة سبيه بس يغير لبسه ونتغدا ويرتاح شوية.. فتوافق على مضض بعد أن يعدها بعدم الكف عن اللعب والطيران وكمان الغماية.. وهانغمى مامى ونحيرها النهاردة.. فتفرح أشد الفرح بأنه سيكون معها ليختبئا فى أماكن يصعب وصول الأم إليها .. وبعد أن يفى بوعده تأتى برسوماتها الصغيرة ليستغرق فيها بجدية شديدة وكأن ما أمامه رسمًا (لوليم أدولف) الذى يحبه فيوجهها إلى استعمال لون مغاير أو تصغير ملمح من ملامح الوجه أو يذكرها بقدم ناقص للمقعد الذى رسمته قائلا لها وهو يضحك: أكيد عايزة اللى يقعد عليه يقع!.ويضحكا فتكمل الرسم. إلى أن تأتى برامج الفضائيات الليلية فيجلس ويتابع باهتمام شديد ويعلق على الأحداث التى جرت.. معترضاً بيده قائلا للأم: عايزين ينسفوا الثورة اللى قامت بعد مرار.. شايفة بيضربوهم ازاى؟.. فتلتفت الابنة إلى ما يشاهده ويغضبه كل هذا الغضب فترى ضرباً بالعصا وناس تجرى هنا وهناك وكلمات مثل فض الاعتصام والجيش غلطان مش لازم يعمل كده فتتساءل ببراءة: هما اللى بينضربوا دول وحشين؟.. فيرد: لا اللى بيضربوا هما الوحشين يا حبيبة .. فتنظر لها الأم بلوم: خليك فى مذاكرتك يا حبيبه عشان تخلصى وتنامى.. فتفرغ من واجبها وتقبل أبيها المستغرق فيما لا تعيه وتدخل إلى غرفتها لتنام.

فى اليوم التالى انتظرته حينما أتى موعده لكنه لم يأت فأخبرتها أمها أنه سيتأخر وسيتصل ليطمئن عليها..وبعد ساعات من الانتظار رن هاتف أمها فأسرعت تسألها فأشارت إليها لتأتى وأعطت لها الهاتف فعاتبته على عدم المجىء ليرد ضاحكا: معلش يا حبيبة هاتأخر النهارده أصل عندنا شغل كتير أوى ..يلا بوسى لى نفسك فى المراية ونامى فى ميعادك.. كان صوته قويا لكن كان بجانيه أصوات كثيرة تجعلها لا تسمع جيدًا لكن كيف يكون فى عمله وكل تلك الأصوات تتكلم وتصرخ وهو يحادثها..حتى أمها كانت قلقة وتتكلم مع أنكل كثيرا فتسمع منها: أنا خايفة وقلبى مقبوض وهو مصمم يفضل فى الميدان.. أهو ميدان التحرير الذى كانت تسمع أن الثورة كانت فيه وقد زارته بعد انتهاء الثورة معه وأمها؟ أيكون فى ميدان آخر؟ لم تعد تعرف سوى أن أمها تود منها أن تفرغ من الواجب لتنام.. ونامت ولم تكمل رسمها.

يومان لم تره ..لم تعد تأكل.. ولا تضحك.. كانت تهرول مع أمها إلى حيث الهاتف الأرضى الذى لم يكن يتوقف عن السؤال لا الأجابة! .. لم يعد أبوها يحدثها.. تسأل لماذا؟ فتخبرها أمها بحزن إنه ذهب إلى مأموريه شغل والبلد اللى فيها مافيهاش شبكة وتحتضننها فى صدرها بقوه فتشعر بدموع أمها وأنينها المكتوم.. إلى أن احست فى الليلة الثالثة عندما أوت إلى غرفتها بخالها وهو يحث أمها على الإسراع بالنزول معه الآن للمستشفى فتضرخ الأم فزعة وتهرول إليها لتحتويها بشده فتكتشف أنها لم تنم .. فبدلت له ملابسها وأسرعوا إلى السيارة المنتظرة.. وهى لا تدرى ماذا حدث ولماذا تبكى أمها ولماذا المستشفى حاولت أن تسأل لم يكن هناك سوى الدموع والكلمات المبهمة.. وصلا إلى المستشفى وفى غرفه بالطابق الثانى.. وجددت أبيها والأربطة تلتف على رأسه صرخت.. هرولت إليه.. قبلته..حاول أن يضمها إلى صدره فتأوه..سألته: هما الوحشين ضربوك؟!.. وضحكوا وفى أعينهم دموع غزيرة.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة