نبيل عمر

لعبة التشويه المتبادل!

السبت، 31 ديسمبر 2011 04:13 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا أتصور مجتمعا فى العالم يهوى لعبة التشويه كالمجتمع المصرى، نشوه كل شىء ببراعة لا نظير لها، الماضى والحاضر، البشر والأماكن، السياسات والأشخاص، الثورة والثورة المضادة، ميدان التحرير وميدان العباسية..لا نترك شيئا على حاله ولا نفترض حسن النيات، دائما سوء الظن وسوء الطوية وسوء الافتراض هى العناصر الحاكمة لرؤيتنا للآخرين وأعمالهم.. وهذا التشويه المتعمد أفسد علينا حياتنا، وحول كل مساحات الضوء إلى عتمة فعلية أو عتمة متوقعة، فلا تنتظرنا سوى النهايات المأسوية، والمدهش أن نمارس التشويه طول الوقت ونحن نتحدث عن سمات الشخصية المصرية الجميلة وصفاتها الرائعة وحضارتها الضاربة فى جذور التاريخ الإنسانى!
ولا أريد العودة إلى الماضى القريب أو البعيد، لأدلل على عشقنا المرضى لتشويه الآخرين، يكفى ما حدث منذ ١١ فبراير الماضى وإلى الآن.. واسمحوا لى أن أسألكم: ما هى القوى السياسية التى لم تجر عليها عمليات تشويه منظمة من أول السلفيين إلى الاشتراكيين الثوريين؟، من هى المؤسسات التى لم نعفر وجهها بالتراب والطين من أول البنوك إلى القوات المسلحة؟ من هى الشخصيات التى لم نرشق فيها سهام الأقاويل والتشنيعات من أول الدكتور محمد البرادعى، المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، إلى مفتى الديار المصرية الذى تنازل قبل أيام عن قضية سب وقذف؟
ما هذا أيها المصريون؟ ومن أى مصادر سوداء اكتسبتم هذه القدرات العجيبة على التشويه؟
من أول أيام الثورة ونحن نخوض فى عرضها وشرفها، بالطبع رجال الرئيس السابق قادوا هذه الحملة الخبيثة، وقد تكون دوافعهم مفهومة ولا نقبلها، لكن ما هى دوافع التشويه بعد إسقاط حسنى مبارك ورحيله عن السلطة؟ فالإخوان المسلمون لم يشاركوا فى أول أيام الثورة، والسلفيون كانوا ضد المظاهرات أصلا وأفتوا بعدم الخروج على الحاكم، أما بعض الثوار فهم مأجورون ممولون من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى ومدربون على كيفية التظاهر وإجهاد قوات الشرطة وإسقاط النظام بشعار
«سلمية سلمية»، وهؤلاء مدعمون بخطوط خلفية متمثلة فى منظمات مجتمع مدنى بتمويل من الخارج، وبعض الشخصيات العامة القادرة ماليا والتى لها أطماع فى السلطة، وتريد أن تمارس ضغطا على المجلس العسكرى, لكن أخطر عمليات التشويه مارسناها ضد المؤسسة العسكرية، وحتى لا نبين أننا نلعب ضد جيشنا، صنعنا حجة واهية، وهى أن الجيش شىء والمجلس العسكرى الحاكم شىء آخر، وأن جيشنا بخير لكن المجلس هو «المصيبة» التى حلت علينا وخدعتنا ويحاول أعضاؤه وعلى رأسهم المشير طنطاوى، وأد الثورة وإفشالها والتخلص منها تدريجيا، لأن هؤلاء الأعضاء هم جزء أساسى من النظام المراد هدمه، وكانوا من المستفيدين الكبار فيه، ولا يمكن أن يسلمونا السلطة وسيعملون على إطالة الفترة الانتقالية، حتى ننسى وتضعف إرادتنا ونستسلم لهم، خاصة أنهم تركوا الانفلات الأمنى يتسع، وأطلقوا وحش البلطجة والجريمة والعنف يطارد حياة الناس اليومية ، فلا يبقى لهم إلا المؤسسة العسكرية يلجأون إليها كمسؤول عنهم، فيستمر العسكر فى السلطة أطول فترة ممكنة!
قطعا جرت عمليات التشويه بدم بارد بلا أدلة أو براهين أو قرائن، فقط كلام على عواهنه، ينطلق من منصات الإعلام: عام وخاص، صحافة وفضائيات، وأغلب فرسان الإعلام كانوا بدرجة أو بأخرى من «ألعاب» النظام، والكل يريد أن يبرئ نفسه ويغسل سمعته، حسب موقفه السياسى الحالى ومصالحه الجديدة.. ناهيك عن وسائل الاتصال الحديثة: صفحات فيس بوك وتويتر والمدونين ومواقع الأخبار، التى خاضت حروبا أهلية ضارية كان سلاحها الأول هو التشهير، حتى دخلنا إلى قلب دائرة الخطر، بالتصادم العنيف بين ميدان التحرير وقوات من الجيش..ومازال التشويه مستمرا، صحيح أن ثمة أخطاء فادحة ارتكبها الجميع، فنحن مجتمع بلا تراث حقيقى فى الحرية والديمقراطية، وفى الوقت نفسه نحن نمر بواحد من أسوأ عصور الانحطاط الفكرى فى تاريخنا، لكن ثمة فارقا رهيبا بين الأخطاء والمؤامرات، بين التجربة والجريمة، وعلينا أن نكف عن تشويه كل شىء فى حياتنا، حتى نبنى جسور الثقة المفقودة بيننا، وبين حاضرنا المتخم بالمشكلات ومستقبلنا الذى نسعى إليه!
فهل نفعل؟








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة