نشرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية تقريراً مطولا عمما سمته "الصحوة الدينية فى مصر" قالت فيها محررة شئون الشرق الأوسط "رولا خلف"، ومراسلة الصحيفة فى القاهرة هبة صالح إنه مع ظهور الإسلاميين كقوة قائدة فى البلاد بحسب نتائج المرحلتين الأولى والثانية من الانتخابات، فإن الحكومات الغربية سيتعين عليها أن تتكيف مع التحول فى السلطة الذى طالما سعت إلى منعه.
ونقلت الصحيفة عن "جون ألترمان"، مدير مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية الأمريكى، وأحد المراقبين الدوليين للانتخابات البرلمانية، إن هذه هى الثورة الحقيقية فى مصر، ففى فبراير أزاح الجيش بحسنى مبارك من السلطة، وهذه هى الثورة التى تعيد توجيه السلطة فى مصر.
ورأت فاينانشيال تايمز أن الأحداث السياسية التى شهدتها مصر فى الأسابيع القليلة الماضية تمثل فى السياق الداخلى والعربى زلزالا سياسيا طالما سعت الأنظمة العربية والقوى الغربية إلى تجنبه على حد السواء. فظل حكام المنطقة يدافعون على مدار عقود عن استبدادهم أمام الشركاء الغربيين بإثارة المخاوف من أن البديل الوحيد لهم هو الإسلاميون، وكان أى احتمال لإجراء أمريكا أو غيرها من الحلفاء الغربيين مع الإسلاميين بمثابة إهانة.
فالحكومات الغربية من جانبها استفادت لأن السياسة الخارجية فى القاهرة وغيرها من عواصم عربية أخرى كانت تستوعب مصالحها الخاصة، لاسيما ما يتعلق بمنع السياسات العدوانية المفرطة تجاه إسرائيل، لكن الآن وبعد 20 عاما من الانقلاب الذى قام به الجيش الإسرائيلى لوقف الانتخابات البرلمانية التى حقق فيها الإسلاميون فوزاً كبيراً، وبعد خمس سنوات من انتصار حماس فى الانتخابات التشريعية الفلسطينية والذى جعل الغرب يقاطع حكومتها، فإن الإسلاميين الآن يظهرون قدرتهم على البقاء.
وتمضِ الصحيفة فى القول: "مع تكيف صناع القرار فى جميع أنحاء العالم مع الحقائق الجديدة فى المنطقة، فإن أكثر ما يثير قلقهم سيكون تطوير روابط جديدة مع الجماعات الإسلامية التى تقف ولأول مرة على حافة السلطة بدون قيود".
والاختبار الأكثر أهمية سيكون فى مصر، حيث إن جماعة الإخوان المسلمين، أقدم الجماعات الإسلامية العربية، تمثل مصدر إلهاما لحركات أخرى وجهودها لتقاسم السلطة سيكون لها تشعبات إقليمية أكبر على الأرجح.
وتتابع الصحيفة: "إن جماعة الإخوان المسلمين التى تنظر إلى حزب النهضة التونسى بأنه ليبرالى أكثر مما يلزم تنظر إلى السياسات الديمقراطية باعتبارها أفضل وسيلة لتحقيق أسلمة تدريجية للمجتمع".
وسيدرس المسئولون الغربيون والمحللون السياسيون ما الذى يجعل المجتمعات التى خلصت نفسها من الطغيان تضع ثقتها فى الإسلاميين، سواء كانوا معتدلين أو متشددين. ورغم ذلك فإن الميل للأحزاب الدينية خاصة فى أوقات عدم اليقين السياسية أمر لا يثير الدهشة بشكل كبير.
وتشير فاينانشيال تايمز إلى أن التحديات الحقيقية التى تواجه الإخوان المسلمين ستأتى لاحقاً. فبعد عقود من انتظارهم السلطة سيحصلون الآن على ما يتمنون لكنهم سيتولون زمام دولة مثقلة بإرث عقود من سوء الإدارة، ويعانى اقتصادها بشكل كبير بسبب الاضطرابات السياسية. والانتصارات التى حققها الإسلاميون فى مصر وتونس لا تظهر ميلا كبير من جانبهم للحكم منفردين فى المستقبل القريب. فحزب النهضة التونسى تحالف مع العلمانيين، كما أن الإخوان فى مصر يقولون إن أحدا لن يحكم بمفرده فى ظل الكم الهائل من المشكلات التى تواجهها البلاد بما فى ذلك تفشى الفقر وارتفاع معدلات البطالة.
ونقلت الصحيفة عن سعد الكتاتنى، القيادى بجماعة الإخوان المسلمين قوله ليس شرطا، أن يقود الإخوان الحكومة، فنحن لا نريد تكرار هذه الأخطاء التى ارتكبها الحزب الحاكم السابق.
وتوضح الصحيفة أن معضلة الإخوان واضحة فى برنامجهم الانتخابى. فحزب الحرية والعدالة يقول إنه يريد التخلص من عجز الميزانية وجذب الاستثمارات ومعالجة مشكلة الدعم، وكلها مشكلا تتعلق بمجتمع رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب، لكن فى نفس الوقت يقول الحزب إنه يريد تغيير وجه المجتمع بطرق يمكن أن تثير غضب رجال الأعمال الليبراليين وتقلق الأجانب.
وختمت الصحيفة تقريرها بالقول إن التحدى الأساسى الذى سيواجه الإسلاميون فى مصر هو تحقيق التوازن بين التطلعات الدينية وتبنى السياسات السياسية والاقتصادية الواقعية. وكما يرى ألترمان، فإنهم لا يستطيعوا أن يتحملوا تنفير هؤلاء ممن لديهم الموهبة للنهوض بمصر اقتصاديا، والكثير منه ثقافتهم ليبرالية.
وكلما أظهر الإخوان تسامحا أكبر، كلما زادت فرص نجاحهم فى تحسين الحياة المعيشية للشعب الذى عانى من عقود من الفساد والقمع والإهمال.
فاينانشيال تايمز: التحدى الأساسى للإخوان هو تحقيق التوازن بين تطلعاتهم الدينية وتبنى السياسات الواقعية.. والاقتصاد معضلتهم الكبرى.. سعد الكتاتنى: ليش شرطاً أن يقود الإخوان الحكومة القادمة
الجمعة، 30 ديسمبر 2011 12:13 م