د. هانى أبو الحسن

حياة بين عالمين!!

الجمعة، 30 ديسمبر 2011 10:23 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
شغل الفكر الإنسانى قديماً بقضية الوجود، وحقيقة العالم، فوصفته جمهورية أفلاطون بالصورة المستنسخة عن عالم حقيقى فى السماء "عالم المُثل"، وخالفه أرسطو بأن العالم الحقيقى هو ما نعيشه هنا ونحاول محاكاته.. ثم انطلقت بعد ذلك كتابات فلاسفة العرب لتؤكد على أننا نحيا حياة دنيا، وأن هناك حياة آخرة.. استناداً لجوهر الأديان السماوية.. وجاءت التكنولوجيا فى ثلاثين السنة الأخيرة لتجسد الكثير من تصورات النظريات الفلسفية حول الأساطير والروايات التراثية الفلكلورية الخيالية عن باب مغارة على بابا الذى يستجيب لنداء "افتح يا سمسم"، وعن البللورة الزجاجية المسحورة التى تعرض لك أحداثاً فى مكان آخر، إذ تراها مرأى العين وهى تحدث فى لحظة نظرك للبلورة، أو فى وقت سابق، فلقد تحققت كل تلك الخيالات الأسطورية التى تصورها الفلاسفة والمبدعون الأوائل فأصبحت الأبواب تفتح بمجرد اقترابك منها ودون أن تناديها (فى المطارات والمولات والفنادق)، وبلمسة واحدة من إصبعك دون وجود لخاتم سليمان أو مصباح على الدين، وإنما هو زر فى ريموت كونترول ترى متحدثين وصوراً على شاشة التليفزيون الذى يعرض لك كل ما تريد عن أحداث وأشخاص فى أماكن أخرى وفى لحظة حدوثها، ثم جاءت الثورة المعلوماتية التى تخلق لك عالماً افتراضياً، هو الحياة الأخرى التى يتواصل فيها البشر وهم يحيون حياة أخرى موازية لحياتهم الحقيقية، فتحقق بذلك الكثير من التأملات الفلسفية عن عوالم دنيا وعوالم أخرى، وتطورت الثورة التكنولوجية من خلال الفضاء الإلكترونى لتحقق تواصل البشر الآنى بالصوت والصورة والحدث والمكان والزمان، من خلال برامج ومواقع مثل الفيسبوك وخرائط الأرض وتحديد المواقع وفيس تايم بكاميرات تسجّل صورتك وصوتك وحالتك النفسية وإحداثيات الطول والعرض لموقعك فى العالم، فيتحول الإنسان مع كل ذلك إلى الحياة الأخرى بالتوازى مع حياته الحقيقية، وهذا بطبيعة الحال يفرض على الإنسان الانفصام والتشتت طوال الوقت بين عالمين يحياهما معا على التوازى عالم مادى حقيقى وعالم آخر افتراضى!!

ولا مناص الآن من مطاردة التكنولوجيا للإنسان لدرجة أنها ترافقك وترى ما تراه عيناك وتنصت لما تسمعه أذناك..

وعلى الرغم من ذلك ومع ما تفرضه تلك التكنولوجيا من مرافقة دقيقة لكل تفاصيل حياتك إلا أن الإنسان مازالت لديه القدرة على استخدام التكنولوجيا أيضاً فى عمليات التلفيق والتحوير، فها نحن أولاء نرى الكاميرات ترصد الأحداث فى وطننا لتسلمها لبرامج الأوتوشوب التى تعيد إنتاجها، وعرضها من جديد فى صورة متوالدة على غير ما تراه عيناك على النحو الذى سجلته الكاميرا، وبصوت مغاير لما رصدته الأصوات المتزامنة مع الصورة الأصلية، على غير ما سمعته أذناك من قبل!!

ومن ثم نستطيع القول الآن بأننا نعيش حياتنا مرتين فى الوقت نفسه.. حياة حقيقية طبيعية وحياة افتراضية اصطناعية دون أن نتمكن من التأكد من أى حياة تلك التى نحياها.. الحياة الحقيقية أم الحياة الأخرى الافتراضية.. وأيهما الأصدق الدنيوى أم الأخروى!!





مشاركة




التعليقات 5

عدد الردود 0

بواسطة:

DrvetShady

رائع و عبقرى

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد ممدوح

والله زمان

عدد الردود 0

بواسطة:

مبارك بن شافي

ليس غريبا

عدد الردود 0

بواسطة:

رامى جلال

صحيح يا دكتور

عدد الردود 0

بواسطة:

د. أبو الحسن سلام

ما يخافش عليك

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة